الحصانة البرلمانية تثير الجدل بعد التحقيق في “طحن الأوراق مع الدقيق”

أثار طلب بعض النواب لتفعيل الحصانة البرلمانية بشكل فوري في جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس النواب، يوم الاثنين 3 نونبر، تساؤلات بشأن الأولويات البرلمانية في مواجهة الاتهامات الخطيرة التي تطال الأمن الغذائي للمواطنين. ففي الوقت الذي يتواصل فيه التحقيق في تصريحات أحمد التويزي حول “طحن الأوراق مع الدقيق”، تركز النقاشات داخل البرلمان على الدفاع عن الحصانة البرلمانية بدلاً من معالجة جوهر الاتهامات المتعلقة بالفساد والغش في منظومة الدعم.
دافع النواب، وفي مقدمتهم عبد الله بوانو، رئيس مجموعة العدالة والتنمية، عن الحصانة البرلمانية كما ينص عليها الفصل 64 من الدستور، مطالبين بتفعيلها فوراً. لكن المثير في هذه المطالبات هو تركيز النقاش على الحماية البرلمانية، مع إغفال تام للاتهامات التي قدمها التويزي والمتعلقة بتلاعبات قد تهدد الأمن الغذائي للمغاربة. فهل يجب أن تكون الحصانة البرلمانية أداة لحماية الممثلين السياسيين أم وسيلة لتجنب المساءلة عندما تتعلق القضايا بمصلحة المواطنين؟
كان سعيد بعزيز، البرلماني عن الفريق الاشتراكي، أيضاً من المدافعين عن حماية النواب. ولكنه تجاهل في تصريحاته أن هذه الحماية القانونية لا ينبغي أن تتحول إلى حصانة ضد المساءلة العامة، خاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا تمس حياة الناس. هل من المقبول أن يتذرع البرلمان بالدستور لحماية أعضائه في حين أن التحقيق في قضايا فساد قد تؤثر على المواطن البسيط؟
من جهة أخرى، تراجعت تصريحات التويزي التي أثارت الجدل حول “طحن الورق مع الدقيق”، ليؤكد أنها كانت مجازية، وتشير إلى التلاعب في الوثائق للحصول على الدعم بشكل غير مشروع. ورغم هذا التوضيح، يبقى السؤال: لماذا لا يتم فتح نقاش داخلي في البرلمان حول مدى دقة هذه التصريحات؟ ولماذا لا يتم مساءلة النائب حول صحة هذه الاتهامات قبل الخوض في الدفاع عن حصانته؟
الجدل حول الحصانة البرلمانية يكشف عن ازدواجية في المعايير: فمن جهة، يطالب النواب بحمايتهم من أي متابعة قضائية تتعلق بتصريحاتهم، ومن جهة أخرى، يتجاهلون المساءلة عن تصريحات قد تضر بمصلحة المواطنين. وفي الوقت الذي يتمسك فيه البرلمانيون بحماية حصانتهم، يغفلون عن ضرورة حماية الشفافية والمحاسبة، وهي أساس قوة المؤسسة التشريعية، وليس مجرد قوة درعية ضد التحقيقات القضائية.
مما لا شك فيه أن الحصانة البرلمانية هي حق مكفول دستورياً، ولكنها لا ينبغي أن تكون سلاحاً لحماية النواب من التحقيقات في قضايا فساد أو غش تؤثر على حياة الناس. يجب على البرلمان أن يثبت أنه لا يحمي أعضائه فقط، بل يعمل أيضاً على محاسبة المخالفين ومكافحة الفساد داخل مؤسسته.

تعليقات