آخر الأخبار

“وفرة المعروض” تخفّض الأسعار دولياً للشهر الثالث.. واحتكار “أخنوش” يشعلها محلياً

تراجعت أسعار النفط عالمياً للشهر الثالث على التوالي، إذ أدى صعود الدولار وارتفاع المعروض إلى كبح المكاسب في الأسواق الدولية. ومع هبوط خام برنت إلى حدود 64.88 دولاراً للبرميل، وخام غرب تكساس إلى 60.36 دولاراً، كان من الطبيعي أن تنخفض الأسعار في مختلف الدول المستوردة، غير أن المغرب ظلّ حالةً شاذة، إذ حافظت الأسعار على ارتفاعها رغم هذا التراجع العالمي.

في الوقت الذي يستفيد فيه العالم من وفرة العرض النفطي، يواصل المغاربة دفع أثمانٍ باهظة مقابل البنزين والغازوال. وتُظهر المفارقة أن السوق المغربية لم تعد تتفاعل مع المؤشرات الدولية، بل تُدار وفق مصالح داخلية تحكمها شركات محدودة تهيمن على القطاع منذ تحرير الأسعار. هذا الوضع يثير أسئلة جوهرية حول من يتحكم فعلياً في مضخة الوقود داخل البلاد.

من بين أبرز هذه الشركات، تبرز “إفريقيا غاز” المملوكة لرئيس الحكومة عزيز أخنوش، الذي يجمع بين سلطة القرار السياسي وموقع الفاعل الاقتصادي في آن واحد. هذا التداخل بين المسؤوليتين جعل كثيرين يرون أن تضارب المصالح أصبح واقعاً ملموساً، خاصة مع استمرار الارتفاع رغم انخفاض الأسعار عالمياً، وهو ما يضع مصداقية الخطاب الحكومي موضع شك.

تحرير أسعار المحروقات الذي رُوّج له كإصلاح هيكلي فتح الباب أمام حرية السوق دون آليات رقابة فعالة. فبدلاً من المنافسة، نشأت حالة شبه احتكارية مكّنت شركات التوزيع من تحديد الأسعار وفق مصالحها. النقابة الوطنية للبترول والغاز أكدت أن السعر العادل للغازوال لا يتجاوز 9 دراهم، بينما يُباع بأكثر من 10.5 دراهم، بفارق يتحول مباشرة إلى أرباح ضخمة للشركات المهيمنة.

ويُقدّر الخبراء أن هذه الأرباح الإضافية تفوق 9 مليارات درهم سنوياً، مما يجعل قطاع المحروقات أحد أكثر القطاعات ربحية في المغرب. هذا في وقتٍ يرزح فيه المواطن تحت ضغوط الغلاء وتآكل القدرة الشرائية. وبينما تتبنى الحكومة خطاباً إصلاحياً، تبدو عاجزة عن ضبط سوقٍ تُعتبر من أكثر الأسواق حساسية وتأثيراً في الاقتصاد الوطني.

مجلس المنافسة، من جهته، سبق أن أشار إلى مؤشرات تواطؤ بين الشركات الكبرى في تحديد الأسعار، غير أن نتائجه بقيت دون أثرٍ عملي. ومع استمرار الغلاء، بات الرأي العام يرى أن غياب الشفافية والمحاسبة ساهم في تكريس وضعٍ يخدم الكبار ويضرّ المستهلكين. ومع كل انخفاض عالمي، يتجدد السؤال ذاته: لماذا لا تنخفض الأسعار في المغرب؟

وهكذا، بينما تهبط أسعار النفط بفعل وفرة المعروض وتراجع الطلب العالمي، تواصل محروقات أخنوش الاشتعال في محطات المملكة. مشهد يعكس مفارقة صارخة بين اقتصاد السوق المعلن وواقع التحكم العملي، حيث تتحول المحروقات إلى مرآة تعكس أزمة الثقة بين المواطن وحكومةٍ يقودها من يجني الأرباح من ذات السوق الذي يعاني منه الشعب.

المقال التالي