تحقيقات وزارية تكشف انتهاكات في المصحات الخاصة بالدار البيضاء وأكادير ومراكش وفاس

في صباح خريفي هادئ، دخل عبد الرحمان -اسم مستعار- إلى إحدى المصحات الخاصة في الدار البيضاء وهو يحمل ملفه الطبي بين يديه، يبحث عن علاج سريع لأزمة صحية ألمت به؛ بدا المكان أنيقا يبعث الثقة في النفس، غير أن ما خفي وراء المظاهر كان مختلفا تماما؛ فقبل أن يسمح له بالدخول، طلب منه شيك ضمان بدعوى أنه إجراء إداري لا بد منه، رغم أنه يتوفر على تأمين صحي يغطي مصاريف العلاج بالكامل.
تردد عبد الرحمان قليلا، ثم سلم الشيك على مضض، مقتنعا بأن الأهم هو صحته؛ نقل إلى غرفة الإنعاش حيث قضى ثلاثة أيام، ثم إلى غرفة عادية لأربعة أيام أخرى.
عند خروجه، تلقى صدمة غير متوقعة، إذ طلبت منه فاتورة تتجاوز ثمانين ألف درهم، تضم مبالغ مرتفعة عن الإقامة والعلاجات والتحاليل، بعضها لم يستشر بشأنه أصلا؛ حاولت أسرته الاعتراض معتبرة أن الأسعار مبالغ فيها، لكن إدارة المصحة تمسكت بكونها “تكاليف العلاج الضرورية”.
لم تكن قصة عبد الرحمان سوى واحدة من عشرات القصص التي وصلت إلى وزارة الصحة والحماية الاجتماعية عبر الخط المخصص لشكايات المواطنين؛ فالمصالح المركزية -حسب مصادر إعلامية- توصلت بتظلمات عديدة من مرضى وأسرهم يتحدثون عن ممارسات مشابهة في مصحات بالدار البيضاء وأكادير ومراكش وفاس، خاصة ما يتعلق باشتراط شيكات الضمان والمبالغة في الفواتير.
استجابت الوزارة بسرعة، وأوفدت فرق تفتيش إلى عدد من المصحات للتحقيق في الشكايات؛ وخلال الزيارات الميدانية، اكتشفت اللجان وجود اختلالات واضحة، من بينها إجراء تحاليل وفحوصات لا تبررها حالة المريض، واستعمالها فقط لرفع الكلفة النهائية. كما ضبطت في قسم الفوترة بإحدى المصحات عددا من الشيكات غير المودعة في الحساب البنكي رغم مرور أيام على توقيعها، ما اعتبر مخالفة قانونية صريحة.
وأنهت لجان التفتيش مهامها في بعض المصحات وحررت محاضر رسمية بالتجاوزات، بينما ما تزال التحقيقات جارية في مؤسسات أخرى؛ وتشير المصادر إلى أن العقوبات المنتظرة قد تتراوح بين الإنذار والتوبيخ والغرامات المالية، وقد تصل إلى سحب الرخص في الحالات الخطيرة.
غادر عبد الرحمان المصحة منهكا، لكنه خرج بدروس كثيرة؛ أدرك أن بعض المؤسسات حولت رسالة الطب إلى تجارة، وأن ما يحتاجه المريض في بلاده ليس دواء فقط، بل منظومة صحية تضع الإنسان فوق الحسابات المادية.

تعليقات