آخر الأخبار

380 مليار درهم لتكريس التفاوتات.. حكومة أخنوش تغدق على المركز وتُقصي الهامش

تظهر المعطيات المرافقة لمشروع قانون المالية لسنة 2026 أن الحكومة تواصل نهجا تنمويا غير متكافئ، يكرّس منطق التمركز بدل تحقيق العدالة المجالية التي ظلت شعاراً مكرراً في خطابها السياسي دون ترجمة فعلية على أرض الواقع. فرغم ضخامة الغلاف المالي المبرمج، الذي يناهز 380 مليار درهم، ما تزال الاستثمارات العمومية تتجه نحو الجهات الكبرى التي تتوفر أصلاً على بنية تحتية قوية، فيما تُترك المناطق المهمشة في مؤخرة الخريطة التنموية، تتخبط في غياب المشاريع الحيوية والخدمات الأساسية.

الوثيقة الحكومية تظهر بوضوح أن جهات مثل الدار البيضاء-سطات، والرباط-سلا-القنيطرة، وطنجة-تطوان-الحسيمة، تستأثر بالحصة الأكبر من الاستثمارات، بينما تُهمّش مناطق مثل درعة-تافيلالت، والشرق، وكلميم-واد نون، التي تعاني أصلاً هشاشة اقتصادية واجتماعية مزمنة. ويبدو أن الحكومة، بدل تصحيح هذا الاختلال، تواصل تكريس فوارق مجالية عميقة تجعل التنمية حكراً على مراكز النفوذ الاقتصادي والسياسي.

هذا التفاوت لا يقتصر على الأرقام فحسب، بل يمتد إلى نوعية المشاريع نفسها، إذ تظل الجهات الفقيرة رهينة مبادرات محدودة الأثر، عبارة عن تجهيزات بسيطة أو مقاطع طرقية لا تخلق دينامية اقتصادية حقيقية، بينما تُغدق الملايير على مشاريع ضخمة في المناطق الساحلية. ويكشف ذلك عن غياب رؤية استراتيجية تضع الإنسان والمجال في صلب السياسة الاستثمارية، مقابل منطق محاسبي يسعى فقط إلى تبرير الأرقام دون نتائج ملموسة على الميدان.

المفارقة أن الحكومة تعترف ضمنياً في مذكرتها بضعف معدل إنجاز المشاريع في عدد من الجهات، مرجعة ذلك إلى قصور القدرات المالية والإدارية المحلية، وكأنها تتنصل من مسؤوليتها في تقوية هذه الجهات وتأهيلها. فالجهوية المتقدمة التي رُوّج لها كإطار لتحقيق العدالة التنموية ما تزال حبراً على ورق، في ظل استمرار تحكم المركز في القرارات المالية الكبرى وغياب تقييم موضوعي لمردودية الاستثمارات.

وبينما تتحدث الحكومة عن رؤية تنموية منسجمة مع النموذج التنموي الجديد، تكشف المعطيات أن الواقع يسير في الاتجاه المعاكس: تفاوتات متنامية، ومشاريع مؤجلة أو متعثرة، ومناطق تُترك خارج رادار التنمية. إن هذا النهج لا يضعف فقط التماسك الاجتماعي، بل يهدد أيضاً فرص الاستثمار الخاص ويعمّق الإحباط لدى فئات واسعة من المواطنين.

وأكد متهمون عبر تعليقهم على هذا الموضوع، على أن مشروع مالية 2026 يعيد إنتاج نفس الاختلالات القديمة، دون جرأة سياسية لتوزيع عادل للثروة الوطنية. فحكومة أخنوش تبدو عاجزة عن تحويل الوعود إلى التزامات فعلية، وتكتفي بإعلانات رقمية فضفاضة، بينما يظل المواطن في المناطق الهشة ينتظر نصيبه من “العدالة المجالية” التي تحولت إلى شعار أكثر منها واقعا تنمويا.

المقال التالي