بين فشل حكومة أخنوش والتدخل الملكي.. قراءة معمقة لـ”مغرب تايمز” في التوجهات العامة لقانون المالية

في لحظة سياسية واجتماعية بالغة الحساسية، ترأس الملك محمد السادس، يوم الأحد، المجلس الوزاري المُخصَّص للمصادقة على التوجهات العامة لمشروع قانون المالية لسنة 2026. يأتي هذا الاجتماع في وقت تتصاعد فيه الاحتجاجات الشعبية التي تعكس الاستياء العميق من أداء حكومة أخنوش، التي أصبحت مُلوَّمة على عدم قدرتها على معالجة المطالب الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين ومشهورة بتضارب المصالح.
احتجاجات شعبية تكشف فشل الحكومة.. وغضب الشارع يطالب بالتغيير العاجل
لم تكن الاحتجاجات في المملكة مجرد رد فعل عابر على الأوضاع الاقتصادية، بل هي تعبير عن غياب الثقة في قدرة الحكومة على تحقيق الإصلاحات المطلوبة. فغياب العدالة الاجتماعية، وتدهور الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة، إلى جانب ارتفاع تكاليف المعيشة، أدت إلى تفاقم الاحتقان الاجتماعي. هذا الواقع دفع بالمجتمع إلى التعبير عن سخطه من خلال الاحتجاجات التي تطالب بتغيير جذري في السياسات الحكومية.
الملك يتدخل لضمان الإصلاحات.. دور المؤسسة الملكية في تصحيح المسار الحكومي
تحت ضغط الاحتجاجات، يبرز دور الملك محمد السادس كضامن للإصلاحات الكبرى. في وقت تبدو فيه الحكومة عاجزة عن تفعيل التوجيهات الملكية، يتحمل الملك مسؤولية تصحيح المسار من خلال طرح سياسات عامة تعكس حاجة المواطنين الماسة للتغيير. التوجيهات الملكية التي جاءت في خطابي عيد العرش وافتتاح السنة التشريعية تمثل الأساس الذي بُني عليه مشروع قانون المالية 2026.
قانون المالية 2026.. الاستجابة الملكية للأزمة الاقتصادية والاجتماعية الآنية
يُعتبر قانون المالية 2026 استجابة هيكلية للمطالب الشعبية التي تصاعدت في الأشهر الأخيرة. في إطار هذا القانون، يتم التركيز على أربعة محاور رئيسية: العدالة الاجتماعية، والعدالة المجالية، وإصلاح القطاعات الحيوية، وتشغيل الشباب. ويهدف كل محور من هذه المحاور إلى مواجهة التحديات التي عمَّقت الاحتجاجات في مختلف أنحاء المغرب.
العدالة الاجتماعية على رأس الأولويات.. استجابة مباشرة لمطالب الشارع
تأتي العدالة الاجتماعية في طليعة الأولويات في قانون المالية 2026، باعتبارها أحد المطالب الرئيسية للمحتجين. ويتضمن ذلك زيادة الدعم الاجتماعي لقرابة 4 ملايين أسرة، وتحسين إعانات الأطفال، وتوسيع برامج الحماية الاجتماعية. وتهدف هذه الإجراءات إلى تخفيف حدة الغضب الشعبي الناتج عن الغلاء المتزايد في أسعار المواد الأساسية، وحرمان العديد من الأسر من الخدمات الضرورية.
العدالة المجالية.. تقليص الفوارق بين المناطق والحد من الاحتقان الجهوي
يركز قانون المالية 2026 أيضاً على تحقيق العدالة المجالية عبر إطلاق “الجيل الجديد من برامج التنمية المندمجة”. ويستهدف هذا البرنامج المناطق الأكثر هشاشة مثل الجبال والواحات التي تعاني من نقص في البنية التحتية والخدمات. وتهدف هذه الخطوات إلى تقليص الفوارق التنموية بين المناطق، وهو ما كان من بين أبرز أسباب الاحتجاجات الشعبية.
إصلاح التعليم والصحة.. تعزيز الخدمات الأساسية لمعالجة إخفاقات الحكومة
تخصص الحكومة في قانون المالية 2026 ميزانية ضخمة لدعم قطاعي التعليم والصحة. فتبرير 140 مليار درهم لتحسين هذين القطاعين، بالإضافة إلى توفير 27,000 وظيفة في مجالي الصحة والتعليم، يعد خطوة أساسية لمواجهة انتقادات المواطنين للوضع المتردي الذي يعيشه القطاع العام في المغرب. والهدف هو توفير خدمات صحية وتعليمية أفضل، خصوصاً في المناطق النائية التي تعاني من ضعف الخدمات.
تشغيل الشباب.. تعزيز فرص العمل في مواجهة البطالة المتزايدة
تُعد قضية توفير فرص العمل للشباب إحدى القضايا الرئيسية في قانون المالية 2026. وتسعى الحكومة إلى تحفيز الاستثمارات ودعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة بهدف خلق مناصب شغل جديدة، لا سيما في القطاعات التي تستقطب أعداداً كبيرة من الشباب. وتهدف هذه الإجراءات إلى الحد من البطالة ورفع مستوى معيشة الفئات الأكثر تضرراً من الأوضاع الاقتصادية.
الفجوة بين التوجيه الملكي والتنفيذ الحكومي.. هل نكرر أخطاء الماضي؟
على الرغم من أن التوجهات الملكية في قانون المالية 2026 تمثل استجابة مباشرة لمطالب الشعب، إلا أن التحدي الكبير يكمن في تنفيذ هذه الإصلاحات على أرض الواقع. فالتاريخ الحديث يشهد على فجوة متكررة بين التوجيهات الملكية والتنفيذ الحكومي البطيء أو المتعثر. هذا الواقع يثير قلقاً لدى الكثير من المواطنين والمراقبين الذين يرون أن الحكومة يجب أن تكون أكثر فاعلية في تطبيق السياسات والبرامج التي تم الإعلان عنها.
التحدي الأكبر.. قدرة الحكومة على تحويل التوجيهات إلى أفعال ملموسة
يبقى التحدي الأكبر في قدرة الحكومة على تحويل التوجهات الملكية إلى أفعال ملموسة، وضمان أن تخدم هذه الإصلاحات المواطن بشكل فعلي. فإن تأخر أو ضعف التنفيذ سيؤدي إلى مزيد من الاحتقان، ما قد يعيد الاحتجاجات إلى الشارع، ويعمق الفجوة بين الحكومة والشعب. والحكومة الآن أمام اختبار حقيقي، وهو إثبات قدرتها على استجابة حقيقية وفعالة.
بين إصلاحات الملك واختبار الحكومة.. مشهد حاسم للمستقبل
إن قانون المالية 2026 يحمل في طياته رسالة قوية: المؤسسة الملكية تستمع لمطالب الشارع وتستجيب لها، لكن هذا يضع الحكومة أمام اختبار حاسم لتنفيذ هذه السياسات. فإن نجحت في تطبيقها، فإن ذلك سيعزز الثقة في المؤسسات المغربية. أما إذا فشلت، فإن أزمة الشرعية ستستمر، مما يعزز دينامية الاحتجاج ويزيد من عمق الأزمة السياسية والاجتماعية في المملكة.
تعليقات