آخر الأخبار

وهبي يغيب مجددا.. احتراق أكبر سوق في تارودانت والرئيس في صمت مطبق

لم يكن حريق سوق جنان الجامع، القلب النابض لتجارة تارودانت، مجرد كارثة مادية التهمت أكثر من تسعين في المئة من محلات السوق، بل كان امتحانا حقيقيا لمدى التزام المسؤولين المحليين تجاه مدينتهم وسكانها. امتحان سقط فيه عبد اللطيف وهبي، رئيس جماعة تارودانت ووزير العدل، سقوطا واضحا.

ففي الوقت الذي كانت فيه ألسنة اللهب تلتهم رزق مئات الأسر وتحول تعب السنين إلى رماد، اختار وهبي الصمت والغياب؛ لم يكلف نفسه عناء التنقل إلى المدينة التي أوصلته إلى رئاسة جماعتها، ولم ينشر حتى كلمة عزاء أو تضامن مع الضحايا عبر صفحاته الرسمية؛ موقف أثار موجة استياء واسعة بين الساكنة التي رأت في غيابه استخفافا بمعاناتهم وانقطاعا تاما عن همومهم.

الساكنة التي عاشت ساعات طويلة من الخوف، لم تجد رئيسها بجانبها، ولم يجد التجار المنكوبون من يواسيهم أو يعدهم بإجراءات عاجلة لتدارك الخسائر؛ وحدهم رجال الإطفاء والسلطات المحلية كانوا في الميدان، بينما الرئيس غائب كعادته عن المشهد، تاركا المدينة تواجه مصيرها.

غياب وهبي عن تارودانت لم يبدأ اليوم، فمنذ انتخابه على رأس الجماعة تتوالى الانتقادات لغياباته المتكررة عن الدورات والمجالس بسبب انشغالاته الحكومية كوزير للعدل؛ غير أن هذا المبرر لم يعد مقنعا للساكنة ولا للمراقبين، إذ كيف يمكن لشخص أن يتولى مسؤوليتين ثقيلتين في الوقت نفسه، ويغيب عن الأولى باسم الثانية؟

خلال السنوات الأخيرة، عرفت تارودانت ركودا واضحا في التنمية المحلية وتعثرا في عدد من المشاريع وغياب رؤية واضحة للنهوض بالمدينة، قرارات تتخذ بالنيابة، وتدبير يومي يسيره نائب الرئيس الذي انتقل من مهنته الأصلية كأستاذ إلى موظف بوزارة العدل، فقط ليكون متفرغا لتغطية غياب الرئيس؛ وضع لا يليق بمدينة عريقة مثل تارودانت ذات التاريخ والحضور الاقتصادي والثقافي الكبير في جهة سوس ماسة.

لقد كشفت كارثة جنان الجامع عن عمق الأزمة التدبيرية التي تعيشها المدينة؛ أزمة لا تتعلق فقط بالبنية التحتية أو بالمشاريع المتعثرة، بل أساسا بغياب القيادة والمسؤولية. كيف يمكن لمدينة أن تتطور ورئيسها لا يحضر ولا يتواصل ولا يشارك في محنها ولا في أفراحها؟

اليوم، يطالب سكان تارودانت بمحاسبة سياسية حقيقية وبضرورة إعادة النظر في ازدواجية المناصب التي تحرم المدن من رؤسائها الحقيقيين؛ فالرئاسة ليست وجاهة انتخابية ولا مقعدا إضافيا إلى جانب الوزارة، بل مسؤولية يومية أمام المواطنين ومجال لاختبار الوفاء والالتزام.

لقد احترق سوق جنان الجامع، لكن ما احترق أكثر هو ما تبقى من الثقة في رئيس لم ير في نيران مدينته ما يستحق حتى تدوينة مواساة.

المقال التالي