آخر الأخبار

تأجيل محاكمة هشام العلوي والطوجني… وصفة “الأمير” تخلق جدلا واسعا

شهدت المحكمة الابتدائية بالرباط، اليوم الثلاثاء، تأجيل جلسة الدعوى القضائية التي رفعها هشام بن عبد الله العلوي ضد الصحفي محمد رضا الطاوجني، إلى غاية التاسع من دجنبر 2025، وذلك بناء على طلب تقدم به دفاعه بدعوى التزامات مهنية خارج أرض الوطن.

وقد حضر هشام العلوي الجلسة المنعقدة بالقاعة رقم 6، حيث يطالب من خلالها بتعويض مالي قدره مائة مليون سنتيم، في إطار القضية التي أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط الإعلامية والقانونية.

وتمسك دفاع الطاوجني بحقه القانوني مؤكدا بأن الاختصاص المكاني يعود لمحكمة أكادير، باعتبارها المحكمة التي يقع في دائرتها محل إقامة المشتكى به ومقر عمله، وذلك استنادًا إلى المادة 27 من قانون المسطرة المدنية؛ في المقابل، جرى رفع الدعوى أمام محكمة الرباط، في مخالفة واضحة لمبدأ المحاكمة أمام القاضي الطبيعي المنصوص عليه في المادة 23 من الدستور المغربي، ما يجعل المسطرة مطبوعة بعدم الانسجام مع القواعد الدستورية، ويُبرز نية مبيتة لدى المشتكي، كما يكشف الجانب الدعائي الذي يروم تحقيقه من وراء هذه القضية.

أما بخصوص طلب التأجيل، الذي تقدم به دفاع العلوي، فقد استند إلى أسباب مهنية تتعلق بمحاضرات خارج البلاد، وهو مبرر لا يدخل ضمن الحالات القاهرة التي تتيح التأجيل، حسب ما تنص عليه المادة 41 من قانون المسطرة الجنائية؛ ويُعد هذا التصرف خروجًا عن مقتضيات المساواة أمام القضاء، إذ لا يمكن اعتبار الارتباطات المهنية سببًا مشروعًا لتأجيل جلسة قضائية، وهو ما يعكس امتيازًا غير مبرر يتمتع به الأمير.

من الناحية السياسية والحقوقية، أظهرت القضية تناقضًا بين الخطاب الديمقراطي الذي يتبناه هشام بن عبد الله وممارساته العملية أمام القضاء؛ فبينما يقدم نفسه كمدافع عن حرية التعبير والانفتاح، لجأ إلى القضاء للمطالبة بتعويض ضخم ضد صحفي وجّه إليه انتقادات، في خطوة تُبرز استعمال المساطر القانونية كوسيلة ضغط على الأصوات الإعلامية المستقلة.

كما أن خروج هشام العلوي إلى الإعلام بعد الجلسة للإدلاء بتصريحات علنية طويلة يدخل في تعارض مباشر مع واجب التحفظ الذي يُفترض أن يلتزم به أفراد العائلة الملكية، باعتبارهم رموزًا للدولة لا يجوز لهم الانخراط في سجالات سياسية أو إعلامية؛ هذا السلوك يطرح إشكالًا على مستوى الانسجام بين المكانة الرمزية والمسؤولية الأخلاقية التي تقتضي الحياد والابتعاد عن أي تأثير في مسار العدالة الذي يُفترض أن يحترمه المشتكي.

وتسلط هذه القضية الضوء على التفاوت في ممارسات التقاضي بين المواطنين العاديين وأصحاب النفوذ، خاصة في ظل لجوء بعض الأطراف إلى دعاوى تُعرف في القانون المقارن بـ“دعاوى التكميم”، التي تُستخدم لتقييد حرية الصحافة والنقد. فالمطالبة بتعويض خيالي ضد صحفي مستقل تعكس خللًا في موازين القوة داخل الفضاء العام وتضعف الثقة في المنظومة القضائية ككل.

كما أن لجوء هشام العلوي إلى استعمال صفته الأميرية في الدعوى القضائية التي رفعها ضد الصحفي رضا الطوجني، أثار استغراباً وانتقادات واسعة، خاصة أنه سبق أن صرح بأنه يتعامل مع القضاء كمواطن عادي دون أي امتيازات؛ غير أن تضمين الدعوى لعبارة “سمو الأمير مولاي هشام” يكشف تناقضاً واضحاً بين قوله وفعله، ويعكس محاولة غير مباشرة للتأثير على مجريات العدالة واستثمار اللقب الأميري كوسيلة ضغط معنوي على القضاء، وهو ما يتنافى مع مبدأ المساواة أمام القانون ويطرح تساؤلات حول صدقية الخطاب الذي يروج له.

وتكشف هذه القضية عن مفارقة بين الشعارات الديمقراطية والممارسة الواقعية، حيث يُرفع شعار الإصلاح والانفتاح في الخطاب، بينما يُستعمل القانون أحيانًا كوسيلة لتكميم النقد. وتبقى العدالة الحقيقية رهينة بمدى احترام مبدأ المساواة أمام القضاء والتزام الجميع، مهما كانت مكانتهم، بواجب التحفظ وروح المسؤولية الدستورية.

المقال التالي