«المخطط الأخضر» بالأرقام.. كيف صنع أخنوش إمبراطورية الفلاحة على حساب موائد المغاربة؟

في عام أُطلق فيه «المخطط الأخضر» على يد وزير الفلاحة السابق عزيز أخنوش، تعهّدت الحكومة للمغاربة بثورة زراعية تعزز الأمن الغذائي وترفع دخل الفلاحين. لكن بعد أكثر من عقد على انطلاقه، تُظهر الأرقام الرسمية واقعًا مغايرًا تمامًا: قطاع فلاحي يُصدّر بملايين الأطنان إلى أوروبا، فيما تتآكل القدرة الشرائية للمواطن أمام ارتفاع الأسعار ونقص المنتجات الأساسية.
تشير بيانات وزارة الفلاحة الأخيرة إلى أن المغرب يُصدّر سنويًا نحو 750 ألف طن من الفواكه، بينها 700 ألف طن من الحمضيات و50 ألف طن من الأفوكادو. وتُدر هذه الصادرات عائدات تتجاوز 7 مليارات درهم سنويًا، بينما بلغت قيمة الاستثمارات في مشاريع البنية الفلاحية الكبرى حوالي 70 مليار درهم، خُصص أغلبها لخدمة الفلاحة التسويقية الموجهة للتصدير. غير أن هذا النجاح التجاري يخفي خللاً عميقًا في توزيع الثروة الزراعية، إذ تذهب 95% من المحاصيل عالية الجودة إلى الأسواق الأوروبية، خصوصًا فرنسا وإسبانيا، فيما يستهلك السوق المغربي ما تبقى من إنتاج متوسط أو ضعيف الجودة، بأسعار تفوق قدرة 60% من الأسر وفق معطيات المندوبية السامية للتخطيط سنة 2023.
تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2022 أكد أن المخطط ركز على ما يُعرف بـ«الفلاحة التسويقية» الموجهة للتصدير، في حين تراجعت «الفلاحة التضامنية» التي كان يُفترض أن تُساهم في الأمن الغذائي الوطني. فمن أصل استثمارات قُدرت بـ70 مليار درهم، استحوذت 20 شركة كبرى على الحصة الأكبر، بينما حُرم 85% من الفلاحين الصغار من أي دعم فعلي. ونتيجة لذلك، تراجع إنتاج الحبوب الأساسية بنسبة 30% منذ 2010، في وقت تزايد فيه الاعتماد على الواردات لتغطية الحاجيات المحلية.
يُعتبر عزيز أخنوش، الذي جمع بين موقع القرار السياسي وموقع المستفيد الاقتصادي، أبرز المستفيدين من هذا التوجه. فبصفته وزيرًا، وضع سياسات دعم التصدير ومنح إعفاءات ضريبية سخية. وبصفته رجل أعمال، تمتلك مجموعته «الدومينات الفلاحية» 15% من صادرات الحمضيات المغربية، إضافة إلى امتيازات حصرية لتسويق صنف «نادوركوت» في أوروبا. هذا التداخل بين السلطة والمصلحة الخاصة يثير تساؤلات حول مفهوم العدالة الاقتصادية وتكافؤ الفرص داخل القطاع.
في ظل هذا التوجه، أصبحت الأراضي المجهزة بالري الحديث مركزة بين أيدي أقلية، حيث تستحوذ 10% فقط من المستثمرين على 90% من الأراضي المروية و75% من الدعم الحكومي. وفي المقابل، يعيش عشرات الآلاف من الفلاحين الصغار في ظروف قاسية، بينما تعاني القرى من نقص حاد في الماء والتمويل. ووفقًا لتقرير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO)، يعجز 40% من المغاربة اليوم عن تلبية احتياجاتهم الغذائية الأساسية.
تملأ الفواكه المغربية رفوف 28 دولة أوروبية، من البرتقال المغربي إلى الأفوكادو القادم من سوس، بينما يبحث المواطن في الأسواق المحلية عن نفس المنتوج بأسعار مضاعفة. هذه المفارقة تلخص مسارًا اقتصاديًا يُكافئ من يُصدّر أكثر، ويُهمّش من يُنتج ويستهلك في الداخل.
بعد أكثر من عشر سنوات من تطبيق «المخطط الأخضر»، يمكن القول إن النتائج جاءت انتقائية: نجاح لطبقة محدودة من المستثمرين، وفشل في تحقيق العدالة الغذائية. لقد تحولت الفلاحة من قطاع سيادي يُفترض أن يُطعم الوطن، إلى قطاع ربحي يُغذي الخارج. ومع استمرار هذا النهج في ظل «الجيل الأخضر» الجديد، يبقى السؤال مفتوحًا: هل يمكن لمغرب يُصدّر مئات الآلاف من الأطنان أن يُؤمِّن رغيف خبزه لمواطنيه؟
تعليقات