“مغرب تايمز” يرصد تفاصيل الإصلاح “الجرئ” لنظام الشيكات بعد تسجيل أكثر من 76 ألف متابعة قضائية بالمملكة

في خطوة تشريعية وُصفت بالجريئة، صادق مجلس الحكومة، الأمس، على مشروع القانون رقم 71.24 القاضي بتغيير وتتميم مدونة التجارة، في محاولة لإعادة هيكلة نظام الشيكات بالمغرب بعد تزايد غير مسبوق في حالات رفض الأداء التي تجاوزت 972 ألف حالة خلال سنة واحدة.
المشروع، الذي قدّمه وزير العدل عبد اللطيف وهبي، يشكّل تحولًا عميقًا في فلسفة التعامل مع الشيك كأداة مالية وتجارية، ويهدف إلى تحقيق توازن جديد بين الردع القانوني والتسوية الطوعية، بما ينسجم مع التوجهات الحديثة للدولة نحو ترشيد العقوبات وتعزيز الثقة في المعاملات البنكية.
الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، كشف في ندوة صحافية أعقبت اجتماع المجلس الحكومي، عن أرقام مثيرة تعكس عمق الأزمة، إذ تم خلال سنة 2024 تنفيذ ما يقارب 30 مليون عملية أداء بالشيك بقيمة إجمالية بلغت 1319 مليار درهم، في حين تم تسجيل 972 ألفًا و230 شيكًا مرفوضًا بسبب انعدام أو عدم كفاية الرصيد.
كما تمت معالجة 180 ألفًا و223 شكاية بين عامي 2022 ويونيو 2025، أسفرت عن متابعة أكثر من 76 ألف شخص، بينهم 58 ألفًا في حالة اعتقال. أرقام تُبرز مدى استفحال الظاهرة، وتُفسّر الضغوط التي تواجهها المحاكم المغربية بفعل الكم الهائل من قضايا الشيكات بدون رصيد.
الإصلاح الجديد لا يقتصر على تعديلات شكلية، بل يُحدث نقلة نوعية في تصور الدولة للعقوبة المالية، عبر إرساء منظومة أكثر مرونة وإنسانية. فقد نصّ مشروع القانون على إمكانية تسوية وضعية الساحب في أي مرحلة من المسطرة بمجرد أداء قيمة الشيك، مع فرض غرامة رمزية لا تتجاوز 2% من قيمته، وإغلاق الملف نهائيًا دون متابعة. كما تم توسيع نطاق المصالحة لتشمل جميع مراحل الدعوى، بما فيها مرحلة تنفيذ العقوبة، مع إسقاط المتابعة في حال الأداء أو التنازل عن الشكاية.
ومن بين أبرز المستجدات أيضًا، منح الساحب مهلة 30 يومًا لتوفير المؤونة، قابلة للتمديد بموافقة المستفيد، في خطوة تهدف إلى تشجيع الحلول الودية وتفادي التصعيد القضائي. إضافة إلى ذلك، تم اعتماد بدائل للعقوبات السجنية مثل السوار الإلكتروني والمراقبة القضائية، مع تقليص مدة العقوبة من سنتين إلى سنة واحدة في بعض الحالات، ما يعكس توجهًا واضحًا نحو العدالة التصالحية بدل الزجر العقابي.
ويشمل الإصلاح تعديلًا جوهريًا للمادة 316 من مدونة التجارة، إذ تم الانتقال من نظام الغرامات الثقيلة والعقوبات الصارمة (التي كانت تصل إلى 25% من قيمة الشيك) إلى نظام أكثر مرونة وعدالة يركّز على التسوية المالية واستعادة الثقة بين الأطراف التجارية. هذه المقاربة الجديدة تراهن على استبدال العقوبة بالحل المالي، وتخفيف الضغط على المؤسسات القضائية، وتشجيع التعامل البنكي الشفاف والمسؤول.
يمثّل هذا القانون تحولًا في السياسة الجنائية المغربية من منطق العقاب إلى منطق الإصلاح، في انسجام مع رؤية المملكة لتحديث الترسانة القانونية وجعلها أكثر انسجامًا مع متطلبات النمو الاقتصادي. فالقانون الجديد لا يحمي فقط الساحب والمستفيد، بل يحمي أيضًا منظومة الثقة التجارية التي تُعد أساس كل استثمار ناجح.
غير أن هذا الإصلاح، رغم طموحه الكبير، يطرح تحديات على مستوى التطبيق العملي. فإتاحة مهلة إضافية قد تُستغل أحيانًا للمماطلة، كما أن التنسيق بين النيابات العامة والمستفيدين يتطلب آليات رقمية فعّالة لتسريع الإجراءات وضمان الشفافية. كذلك، فإن تخفيض الغرامة إلى 2% قد يقلّل من الردع في مواجهة الممارسات المتكررة أو الاحتيالية.
ومع ذلك، فإن اعتماد هذا المشروع يُعد خطوة شجاعة في مسار تجديد الثقة في الشيك كوسيلة أداء، وتقوية مناخ الأعمال، وإعادة التوازن بين حقوق الأطراف الاقتصادية والعدالة الاجتماعية. إنه إصلاح يتجاوز الجانب المالي إلى إعادة تعريف العلاقة بين المواطن والقانون، في اتجاه مقاربة أكثر واقعية وإنصافًا، تؤكد أن المغرب يسير بثبات نحو تحديث منظومته القانونية بما يخدم التنمية ويعزز الاستقرار الاقتصادي.

تعليقات