آخر الأخبار

بين وعود “السعدي” وواقع التشغيل.. هل يُصلِح وعدُ “مهبول أنا” بـ“5000 منصب” ما أفسده “المليون الضائع”؟

ما إن أعلن لحسن السعدي، كاتب الدولة المكلّف بالصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي، عن إطلاق برنامجه الجديد “تحفيز نسوة” الذي يتحدث عن إحداث 5000 منصب شغل في أفق 2028، حتى أعاد إلى أذهان المغاربة واحداً من أكثر الوعود السياسية إثارة للجدل في العقد الأخير: “المليون منصب شغل” الذي رفعه حزب التجمع الوطني للأحرار شعاراً في حملته الانتخابية سنة 2021. الوعد القديم لم يتحقق، والنسخة الجديدة تبدو أكثر تواضعاً في الأرقام، لكنها لا تقلّ جدلاً في مضمونها.

هذا الإعلان، الذي قدّمه السعدي بنَفَسٍ احتفالي، جاء في ظرف اقتصادي واجتماعي يزداد ضيقاً. فالأرقام الرسمية تُظهر أن الحكومة لم تتمكن بعد من كبح ارتفاع البطالة، وأن الوعود المتكررة بإحداث فرص شغل واسعة لم تتجاوز بعد عتبة التصريحات الإعلامية. وبالنظر إلى مؤشرات سوق العمل، فإن السؤال الذي يفرض نفسه اليوم هو ما إذا كانت “5000 فرصة” قادرة فعلاً على تصحيح مسار وعود “المليون الضائع”، أم أن المشهد يعيد إنتاج نفس الخطاب بلغة جديدة وأرقامٍ أقلّ حجماً؟

في اليوم العاشر، تكشف الأرقام الرسمية أن المشهد الاقتصادي لا يزال يعاني من ضعف في خلق فرص العمل الحقيقية، وأن كلفة الأمل في سوق الشغل باتت ثقيلة أمام مؤشرات البطالة المتزايدة. فبحسب المندوبية السامية للتخطيط، ارتفع معدل البطالة من 13.0٪ إلى 13.3٪، أي بإضافة نحو 58 ألف شخص إلى صفوف العاطلين، ليبلغ عددهم 1,638,000 شخص. كما ارتفع المعدل في المدن من 16.8٪ إلى 16.9٪، وفي القرى من 6.3٪ إلى 6.8٪. وسجلت البطالة بين النساء 19.4٪، مقابل 11.6٪ لدى الرجال، في حين بلغت بطالة الشباب ما بين 15 و24 سنة 36.7٪، وهي من أعلى النسب في المنطقة.

نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024 جاءت لتزيد المشهد تعقيداً، إذ كشفت أن معدل البطالة الحقيقي في المغرب يبلغ 21.3٪، وهو رقم يفوق كثيراً النسبة المعلنة في النشرات الفصلية. هذا التباين الكبير في الأرقام أثار نقاشاً حول منهجية احتساب البطالة، إذ يرى مختصون أن الإحصاء العام يشمل فئات لا تغطيها الدراسات الدورية، مثل الشباب الذين يئسوا من البحث عن عمل أو العاملين في ظروف غير مستقرة.

ورغم إعلان الحكومة عن خلق 82 ألف منصب شغل جديد خلال سنة 2024، فإن التحليلات الاقتصادية تشير إلى أن أغلب هذه الوظائف مؤقتة أو موسمية ولا توفر دخلاً كافياً ولا استقراراً مهنياً. وقد أظهرت المعطيات الفصلية للعام الموالي أن معدل البطالة تراجع بشكل طفيف إلى 12.8٪ في الربع الثاني، بعد أن كان 13.1٪، بينما انخفض في الربع الأول من 13.7٪ إلى 13.3٪، وهي نسب ضئيلة لا تعكس تحسناً حقيقياً في دينامية سوق الشغل.

التقارير الاقتصادية لبنك المغرب دقّت هي الأخرى ناقوس الخطر، محذّرة من هشاشة النمو الذي لم يتجاوز 3٪ في أغلب الفترات، ومن استمرار ارتفاع معدلات التضخم وكلفة المعيشة. كما أشار التقرير إلى وجود أكثر من 1.6 مليون شاب تتراوح أعمارهم بين 20 و30 سنة بلا عمل، إلى جانب 2.5 مليون شاب من فئة 15 إلى 25 سنة خارج دائرة التعليم والتشغيل معاً، ما يجعل جزءاً كبيراً من طاقة البلاد الاقتصادية معطلاً.

كما أظهرت تقارير المندوبية أن نحو 25.2٪ من الشباب المغاربة يُصنفون ضمن فئة “NEET”، أي الذين لا يعملون ولا يدرسون ولا يتدربون، وهي فئة تمثل تحدياً اجتماعياً واقتصادياً متنامياً. وتقدّر حالات “التشغيل الناقص” بأكثر من مليون شخص، أي من يعملون بدخل منخفض أو ساعات عمل غير كافية، في دلالة على أن المشكلة ليست فقط في غياب الوظائف، بل أيضاً في نوعيتها وضعف مردوديتها.

في ظل هذا الواقع، تبدو مبادرة “تحفيز نسوة” التي أطلقها السعدي محدودة الأثر، إذ إن 5000 منصب شغل خلال ثلاث سنوات لا تمثل سوى نقطة في بحر الحاجة الوطنية. ويواجه السعدي انتقادات واسعة تتعلق بغياب خطة تنفيذية واضحة، وبإعداده مشروع النظام الأساسي لموظفي غرف الصناعة التقليدية دون إشراك فعلي للنقابات، ما يعكس استمرار مركزية القرار وضعف المقاربة التشاركية في تسيير القطاع.

إن الحكومة التي وعدت بمليون منصب شغل وجدت نفسها اليوم أمام أزمة ثقة في خطابها الاقتصادي. وبين “المليون الضائع” و”الخمسة آلاف المنتظرة”، يتضح أن جوهر المشكلة لا يكمن فقط في حجم الوعود، بل في غياب التخطيط الميداني والآليات الواقعية لتحقيقها. فالأرقام تُظهر أن سوق الشغل المغربي لا يحتاج إلى وعود جديدة، بل إلى إصلاحات هيكلية تفتح المجال أمام الشباب والنساء لفرص عمل دائمة ومنتجة، تعيد الثقة إلى مشروع التنمية الذي فقد بريقه في عهد حكومة أخنوش.

المقال التالي