جيل Z واحتجاجات ما بعد الصمت: حين يستفيق الإعلام بعد فوات الأوان

بقلم عبد العظيم عياد.
عرف المغرب خلال الأسابيع الأخيرة موجة جديدة من الاحتجاجات التي قادها شباب جيل Z، جيل ولد ونشأ في زمن الإنترنت واللامبالاة الرسمية، لكنه اليوم يرفع صوته بشجاعة ضد أوضاع اقتصادية واجتماعية خانقة.
هذه الاحتجاجات، وإن بدت عفوية وغير مؤطرة تنظيمياً، إلا أنها كشفت عن عمق الأزمة في علاقة الشباب بالمؤسسات والإعلام والسياسة.
المثير هو أنه بعد هذه الاحتجاجات فقط بدأنا نرى نقاشات إعلامية وخرجات صحفية تتناول مواضيع البطالة، غلاء المعيشة، غياب الأمل، وفقدان الثقة في المستقبل. وكأنّ المعاناة لم تكن موجودة قبل أن يخرج هؤلاء الشباب إلى الشارع أو إلى الشاشات عبر مقاطع مؤثرة ومباشرة.
لكن السؤال الجوهري الذي يطرحه كثيرون اليوم هو:
أين كان هذا النقاش عندما كانت الأزمات تتفاقم بصمت؟
لو كانت هذه النقاشات منذ سنوات، لما كانت الساحة الافتراضية قد امتلأت بـ“مؤثرين” من نوع آخر، كإلياس المالكي وأصحاب “الروتين اليومي” الذين وجدوا فراغًا في المشهد الاجتماعي والثقافي، فملؤوه بطريقتهم الخاصة — مزيج من التهريج والجرأة والتعبير غير المنضبط عن الواقع.
ظهور هؤلاء لم يكن صدفة، بل هو نتاج طبيعي لفراغ إعلامي وثقافي وسياسي ترك الشباب دون صوت حقيقي يمثلهم. فحين يغيب النقاش الجاد والحر، يتقدم البديل الشعبي الساخر، حتى لو كان صادماً أو فوضوياً.
إنه صرخة من الهامش تقول بوضوح: “نحن هنا، لكن لا أحد يسمعنا”.
اليوم، وبعد أن تحرك الشارع، يحاول الإعلام “استدراك الزمن الضائع” من خلال استضافة باحثين ومحللين للحديث عن جيل Z وكأنهم اكتشفوه فجأة. غير أن الجيل الجديد لا يثق بسهولة؛ هو يرى أن تلك المنابر لم تكن إلى جانبه حين كان بحاجة إلى من يفسر آلامه بصدق.
إن الدرس الأهم من كل هذا هو أن التجاهل الإعلامي يولّد الفوضى الرقمية، والفراغ السياسي يولّد أشكالاً جديدة من الاحتجاج غير المنظمة.
جيل Z ليس جيلاً تافهًا كما يُروَّج، بل هو جيل يبحث عن معنى، عن كرامة، وعن وطن يسمع صوته دون وصاية أو استهزاء.
ربما لو كانت المنابر الإعلامية والمثقفون والنخب قد فتحوا النقاش مبكراً حول قضايا الشباب، لما وجدنا أنفسنا اليوم أمام مشهد تملؤه محتويات سطحية ومؤثرين يصنعون من العبث شهرة ومن الصدمة جمهورًا.
ومع ذلك، فالأمل ما زال قائماً — ما دامت هذه الاحتجاجات أيقظت وعياً جماعياً جديداً، يعيد طرح الأسئلة الصعبة حول العدالة الاجتماعية، والكرامة، والإصغاء الحقيقي لصوت الشارع.
تعليقات