آخر الأخبار

رحلة العذاب القصيرة.. حافلات تارودانت تحول التنقل اليومي إلى معاناة

لم تكن المسافة بين مدينة تارودانت وبلدة أولاد برحيل تتجاوز الساعة، لكن بالنسبة لعبد السلام، العامل البسيط الذي يستقل الحافلة كل صباح، بدت تلك الرحلة وكأنها تمتد إلى الأبد؛ صعد الرجل إلى الحافلة المهترئة في محطة الانطلاق، وهو يحمل أمله الوحيد في الوصول إلى عمله باكرا، لكن ما إن جلس حتى بدأ جسده يتألم من قساوة المقاعد البلاستيكية الصلبة.

تقدمت الحافلة ببطء على الطريق الوطنية، وكل اهتزاز فيها كان بمثابة وخزة جديدة في ظهر الركاب؛ بعضهم يحاول الاتكاء على النوافذ المكسورة جزئيا، وآخرون يكتفون بالصمت والأنين الخافت، بينما يواصل السائق طريقه وكأن شيئا لا يحدث؛ داخل الحافلة، تتناثر روائح البنزين والعطب، وتغيب أبسط شروط الراحة، لتتحول الرحلة القصيرة إلى معاناة يومية متكررة.

الحافلات التي تربط مدينة تارودانت بالمناطق المجاورة مثل أرزان وسبت الكردان وأولاد برحيل وغيرها من المناطق، تعيش وضعا وصفه كثيرون بـ“المهين”، سواء من حيث الحالة الميكانيكية أو من حيث التجهيز الداخلي؛ فمقاعدها الصلبة تفتقد للبطانة، والنوافذ ترفض الانغلاق أحيانا، والطلاء الخارجي باهت كأنه شاهد على سنوات من الإهمال.

يقول الحاج محمد، أحد الركاب الذين اعتادوا التنقل بهذه الوسائل: “لقد أصبحت هذه الحافلات مثل عربات الزمن القديم، لا تصلح حتى لنقل البضائع، فكيف بالبشر؟ نحن ندفع ثمن التذاكر، لكننا لا نحصل على الحد الأدنى من الكرامة أثناء السفر”.

أما فاطمة، الموظفة الشابة التي تستقل الحافلة يوميا نحو سبت الكردان، فتقول وهي تحاول تلطيف الموقف بابتسامة متعبة: “نحن لا نطلب التكييف ولا الرفاهية، فقط مقاعد مريحة ونوافذ تغلق بشكل جيد. الرحلة القصيرة كافية لتشعر بعدها بآلام الظهر وكأنك قطعت مسافة مئات الكيلومترات.”

أصوات المواطنين تتعالى مطالبة بتدخل الجهات المعنية لوضع حد لمعاناة سكان الإقليم مع النقل العمومي، في وقت يظل فيه هذا القطاع الحيوي خارج دائرة الاهتمام، رغم دوره الأساسي في ربط المدينة بعمقها القروي وضمان تنقل العمال والطلبة والمرضى يومياً.

وبينما يواصل الركاب صعودهم كل صباح، لا يبدو أن شيئا سيتغير قريبا، لتبقى رحلة الساعة من تارودانت إلى القرى المجاورة أشبه برحلة عذاب متجددة، عنوانها: “اصبر حتى تصل… إن وصلت.”

المقال التالي