آخر الأخبار

بايتاس يعلق البطالة على الجفاف.. لماذا لا يعترف “الناطق” بالمسؤولية الحكومية في الأزمة؟ (فيديو)

أثارت تصريحات مصطفى بايتاس، الناطق الرسمي باسم الحكومة، جدلاً واسعًا بعد أن أرجع ارتفاع معدلات البطالة في المغرب إلى قلة الأمطار وسنوات الجفاف. وقال في برنامج “نقطة على السطر” على القناة الأولى أمس، إن القطاع الفلاحي لم يُسهم بما فيه الكفاية في الناتج الداخلي الخام لتعويض هذا النقص. وأضاف الوزير أن السنة الماطرة كانت ستتيح تحقيق نمو اقتصادي يتجاوز 6 في المائة، متمنيًا أن تتحسن التساقطات المطرية في العام المقبل لتخفيف الضغط على البطالة.

لكن هذه التصريحات تثير العديد من التساؤلات حول مصداقية التفسير الذي قدمه الوزير. فأولاً، لا يمكن تفسير ارتفاع البطالة في المغرب بمسألة الجفاف وحدها. إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط تشير إلى أن البطالة بين الشباب في المناطق الحضرية بلغت 21.3% في 2023، مما يعني أن هناك أسبابًا هيكلية تتعلق بالاقتصاد الوطني بشكل عام يجب أن تُؤخذ في الحسبان، مثل ضعف فرص العمل في القطاعات غير الفلاحية، وقلة الاستثمارات في الصناعات المتنوعة.

كما أن القطاع الفلاحي في المغرب، رغم أهميته الاستراتيجية، لا يشكل سوى حوالي 14% من الناتج الداخلي الخام. هذا الرقم يشير إلى أن البطالة ليست مرتبطة بشكل كامل بالجفاف، بل هي مشكلة معقدة تشمل عدة قطاعات أخرى تحتاج إلى تطوير حقيقي. الجفاف قد يكون عاملاً مضاعفًا للأزمة، لكنه لا يمكن أن يكون التفسير الوحيد لارتفاع البطالة إلى مستويات متقدمة.

تؤكد الإحصائيات الرسمية الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط أن البطالة في المغرب ليست مجرد نتيجة للجفاف، بل هي أزمة هيكلية متجذرة في مختلف القطاعات. ففي سنة 2024، بلغ معدل البطالة على المستوى الوطني 13.3%، ووصلت بين الشباب من 15 إلى 24 سنة إلى 36.7%، بينما سجلت نسبة البطالة بين حاملي الشهادات 19.6%، وفي صفوف النساء 19.4%. هذه الأرقام تعكس أن البطالة مرتفعة بشكل خطير حتى في القطاعات غير الفلاحية، مثل الصناعة والخدمات، مما يدحض محاولات ربطها فقط بالتقلبات المناخية. فلو كان الجفاف هو السبب الرئيسي، لما وصلت بطالة الخريجين والمؤهلين إلى هذه المستويات القياسية، خاصة في المدن التي لا تعتمد على الفلاحة. هذا الواقع يكشف غياب سياسات اقتصادية فعالة قادرة على استيعاب الطاقات الشابة وتوفير فرص عمل لائقة ومستدامة خارج القطاع الفلاحي.

تضافرت تصريحات بايتاس حول البطالة بمعلومات خاطئة أخرى حول الأجور، مما يعمق أزمة المصداقية الحكومية. ففي حين ادعى أن الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص يبلغ 10 آلاف درهم، تكشف الأرقام الرسمية للمدونة الشغلية وتقارير الحكومة المغربية أن الحد الأدنى للأجر (SMIG) في القطاع غير الفلاحي لا يتجاوز 3266.10 درهم شهريًا، بينما في القطاع الفلاحي يصل فقط إلى 2418 درهم شهريًا. هذا التباين الصارخ بين تصريحات بايتاس والواقع القانوني والمعيشي يؤكد أن الحكومة لا تقدم فقط تفسيرات تبسيطية للأزمات، بل تسوق أيضًا بيانات غير دقيقة لتجميل الواقع الاقتصادي والاجتماعي. فكيف يمكن لمسؤول حكومي أن يربط البطالة بالجفاف فقط، بينما الأرقام الرسمية تثبت أن أجور غالبية المغاربة لا تكفي حتى لمواجهة غلاء المعيشة؟

تتجاوز الإشكالية تبرير البطالة بالجفاف إلى حقيقة التصريحات التي يطلقها المسؤول نفسه. ففي حوار مع قناة “العربية”، وقع بايتاس في خطأ فادح عندما ذكر أن الحد الأدنى للأجور في القطاع العام يصل إلى 4500 درهم، بينما في القطاع الخاص بلغ 10 آلاف درهم. هذه الأرقام لا تعكس الواقع القانوني والمعيشي. في القطاع الخاص، وفقًا للقانون رقم 65.99 (مدونة الشغل)، فإن الحد الأدنى للأجر (SMIG) محدد في 14.81 درهمًا للساعة، مما يعادل حوالي 3000 درهم شهريًا لعامل بدوام كامل (8 ساعات يوميًا)، وهو أقل بكثير مما ذكره بايتاس.

الحديث عن الجفاف كسبب شبه وحيد للبطالة، إلى جانب ترويج أرقام غير دقيقة عن الأجور، يتجاهل المشاكل الهيكلية الحقيقية. فمع تزايد تكاليف المعيشة، يعاني المواطنون من فجوة بين الدخل والاحتياجات، بينما تشير الإحصائيات إلى أن بطالة الشباب هي أزمة مزمنة.

في الختام، بينما يبقى الجفاف عاملاً مؤثرًا في الاقتصاد، فإن الأسباب الجوهرية لارتفاع البطالة وتدني القوة الشرائية تكمن في ضعف السياسات الاقتصادية وعدم قدرتها على خلق فرص عمل لائقة ومستدامة في القطاعات الإنتاجية. تصريحات بايتاس، بما شابها من تبرير ظرفي ومعلومات مغلوطة، تعكس ليس فقط غياب استراتيجية فعالة، بل وأزمة مصداقية في التعامل مع ملف اجتماعي حساس يؤرق ملايين المغاربة.

المقال التالي