نزار بركة يفاجئ “2M”: “أنا هنا كأمين عام لحزب لا كوزير”.. لماذا يتنصل من مسؤوليته الحكومية؟

تتسارع الأحداث السياسية في المملكة على وقع الاحتجاجات التي يقودها الشباب في مختلف المدن، بينما يجد نزار بركة نفسه في مركز الجدل، بعد أن صرّح في أحد البرامج الحوارية على القناة الثانية بأنه يتحدث بصفته أميناً عاماً لحزب الاستقلال لا كوزير في الحكومة. وقد بدا هذا التصريح بمثابة إعلان فصلٍ بين المسؤوليتين، في لحظة يتطلب فيها الوضع وضوحًا لا التباسًا.
لكن المفارقة، أن بركة لا يتحدث من مقاعد المعارضة، بل من داخل الحكومة نفسها، حيث يشغل منصب وزير التجهيز والماء. وهو ما جعل كثيرين يرون في تصريحه محاولة للتنصل من المسؤولية الجماعية في وقت يواجه فيه الشارع صعوبات اقتصادية واجتماعية خانقة. فالرأي العام لا يرى في الوزير سوى أحد صُنّاع القرار، مهما حاول أن يتحدث بلغة الحزب.
ويتّضح هذا التناقض أكثر حين يستمر بركة في انتقاد ضعف الأداء الحكومي في التواصل مع المواطنين، في الوقت الذي يشارك فيه فعليًا في صياغة السياسات ذاتها التي ينتقدها لاحقًا. وبذلك يصبح صوته داخل الحكومة نقدًا للحكومة نفسها، مما يخلق ازدواجية في الخطاب بين ما يُقال أمام الكاميرات وما يُقرّر خلف الأبواب المغلقة.
ملف الفراقشية يُعد أحد أبرز الأمثلة التي كشفت عن تضارب المواقف داخل الأغلبية. فحين تحدث بركة عن أرباحٍ خيالية بلغت 13 مليار درهم حققها بعض المستوردين، أحدث تصريحه هزة في الرأي العام. غير أن رئيس مجلس النواب رشيد الطالبي العلمي، وهو من نفس الأغلبية، سارع إلى نفي الرقم مؤكداً أن الكلفة لا تتجاوز 300 مليون درهم. وهكذا بدا أن الحكومة تتحدث بلغتين مختلفتين، لغة الناقد ولغة المبرر.
ويستمر هذا المشهد في رسم صورة رجلٍ سياسي يقف بين ضفتين: ضفة الحكومة التي يتحمل مسؤوليتها، وضفة الحزب الذي يحاول تبرئة صورته أمام الناخبين. فحين يسأله الصحفيون عن القرارات الحكومية، يتحدث كأمين عام؛ وحين يُسأل عن موقعه الحزبي، يتحدث كوزير. وبين الدورين تضيع الإجابات الدقيقة التي ينتظرها المواطن.
ولعلّ ما يزيد من حدة المفارقة أن بركة نفسه يعترف بوجود أزمة ثقة بين الشباب والمؤسسات، ويدعو إلى إعادة بناء الجسور معهم، لكنه لم يُقدّم لحد الآن مبادرة عملية ملموسة من داخل وزارته في هذا الاتجاه. فحديثه يظل عامًا، وكأن الحلول ليست بيده، رغم أنه من صُنّاع القرار الذين يملكون القدرة على التنفيذ لا التوصية فقط.
ومن جهة أخرى، سبق لبركة أن صوّت داخل المجلس الحكومي على قرارات اقتصادية واجتماعية ثم عاد لينتقدها في خرجاته الإعلامية، معتبراً أن “الحكومة لم تُوفّق في شرح إنجازاتها للمواطنين”. وهو ما يضعه في موقف من ينتقد ما شارك في إقراره، ويزيد من التساؤلات حول حدود المصداقية السياسية في مثل هذه الازدواجية.
ولم يتوقف الجدل عند هذا الحد، فقد قال بركة إن الحكومة مستعدة لتقديم الحساب أمام المواطنين، لكنه استدرك بالقول إن “الظروف الاقتصادية الصعبة” هي التي أعاقت تحقيق بعض الوعود. وهنا يظهر التناقض مجددًا: فهو يقرّ بالإخفاق لكنه يبرره بعوامل خارجية، وكأن القرارات الحكومية لا تخضع لمسؤولية بشرية بل لمتغيرات قدرية.
إن خطاب نزار بركة الذي يجمع بين النقد والدفاع، بين المعارضة والمشاركة، جعل صورته السياسية تبدو مترددة في لحظة تحتاج إلى مواقف حاسمة. فبدلاً من أن يكون صوته امتدادًا لقرارات الحكومة، أصبح أحد أبرز الأصوات التي تُربك انسجامها الداخلي، خصوصًا في ظل استمرار الاحتجاجات التي يشارك فيها آلاف الشباب المطالبين بالإصلاح والعدالة الاجتماعية.
حين يتكلم نزار بركة، يظنّ المستمع أنه في المعارضة، وحين يصمت، تذكّره حقيبته الوزارية بأنه في قلب القرار. تلك هي السياسة في المملكة… كلام معارض بكرسي حكومي.
تعليقات