آخر الأخبار

مجلة دولية تتنبأ باحتجاجات الشباب المغربي منذ 2024

تنبأت دراسة نشرتها المجلة الدولية للبحث العلمي منذ غشت 2024 بما يشهده المغرب اليوم من احتجاجات شبابية تقودها فئة “جيل زد”، إذ حذّرت حينها من تزايد فجوة الثقة بين هذا الجيل ومختلف الفاعلين المؤسساتيين، مؤكدة أن شباب ما بعد 1996 يتميزون بوعي رقمي حاد يجعلهم أكثر تشكيكاً في الخطابات الرسمية والإعلانية التي تفتقر إلى المصداقية والشفافية.

فقد أوضحت الدراسة، التي جاءت تحت عنوان “غزو جيل زد في المغرب: إتقان مفاتيح التسويق 4.0”، أن هذا الجيل لا يثق بسهولة في أي خطاب مباشر، لأنه نشأ في بيئة رقمية مفتوحة، تُمكّنه من التحقق من المعلومات فوراً عبر هاتفه الذكي، ما يجعله قادراً على فرز الصدق من التضليل في ثوانٍ معدودة.

وأكد الباحثون أن كسب ثقة جيل زد المغربي لا يتحقق عبر الإنفاق الإعلاني أو الدعاية الموجهة، بل من خلال بناء صورة مؤسساتية أو تجارية صادقة وشفافة ومنخرطة اجتماعياً. وشددوا على أن هذا الجيل يمثل اليوم قوة ديمغرافية واقتصادية مهمة، إذ يشكل حوالي 28 بالمائة من سكان المملكة، ويُعتبر جيلاً رقمياً بامتياز لا يعرف الحياة خارج الإنترنت والتطبيقات الذكية.

وأبرزت الدراسة أن علاقة هذا الجيل بالاستهلاك والسياسة والمجتمع تختلف جذرياً عن الأجيال السابقة، فهو يبحث عن المشاركة والتجربة الشخصية ويرغب في أن يكون جزءاً من صناعة القرار أو الرسائل التي تُوجه إليه، سواء من المؤسسات أو العلامات التجارية. هذا الوعي الجماعي الجديد يجعل أي تجاهل لصوته أو غياب للتواصل معه يولد شعوراً بالإقصاء، وهو ما قد يفسر جانباً من الاحتقان الذي تشهده الساحة الوطنية في الآونة الأخيرة.

وللمقارنة، ذكرت الدراسة أن الأجيال السابقة كانت أكثر تقبلاً للخطاب التقليدي، فجيل الطفرة السكانية ظل وفياً للتعامل المباشر، بينما أظهر جيل إكس قدرة على التكيف مع التحولات، وجيل واي كان أول من أدخل ثقافة الشراء عبر الإنترنت. أما جيل زد، فقد كسر هذه الأنماط تماماً، وأعاد صياغة العلاقة بين المتلقي والمرسل في كل المجالات، من الاقتصاد إلى السياسة.

كما حذرت الدراسة من أن هذا الجيل يفرض قواعد جديدة في التواصل، إذ لم تعد العلاقة بين المؤسسة والمواطن أو المستهلك تسير في خط مستقيم، بل أصبحت دينامية وتفاعلية، يشارك فيها الشباب بآرائهم ومحتواهم عبر المنصات الرقمية. وبالتالي فإن أي خلل في التواصل أو غياب للشفافية يفتح المجال أمام الشائعات وفقدان الثقة في المؤسسات.

وأكد الباحثون أن العوامل التي تحدد ولاء هذا الجيل وثقته ترتكز على المصداقية والانخراط الاجتماعي والمسؤولية البيئية. فجيل زد لا يتجاوب مع الخطابات أو المشاريع التي تركز فقط على الربح أو الإنجاز الشكلي، بل يبحث عن من يعكس قيماً حقيقية ويقدم أفعالا ملموسة.

وقد خلصت الدراسة، المنجزة من طرف باحثين بكلية الاقتصاد بجامعة ابن طفيل، إلى مجموعة من التوصيات أبرزها ضرورة اعتماد استراتيجيات تواصل وتفاعل شمولية تجمع بين القنوات الرقمية والتقليدية، والاستثمار في تطوير الكفاءات الرقمية، والاستفادة من المحتوى الذي ينتجه المستخدمون لما له من تأثير مباشر على الرأي العام.

كما شددت على أهمية فهم الخصوصيات الثقافية والاجتماعية للشباب المغربي، معتبرة أن جيل زد رغم انفتاحه على العالم يظل متشبثاً بقيمه المحلية والدينية، ويطالب في الوقت ذاته بمزيد من العدالة والشفافية والمشاركة.

وبذلك، تبدو الدراسة كأنها كانت جرس إنذار مبكر لما يعيشه المغرب اليوم من حراك شبابي، أكدت من خلاله أن التحدي الحقيقي لا يكمن في السيطرة على الاحتجاجات، بل في بناء تواصل فعّال وصادق مع جيل يملك الوعي الرقمي الكافي ليُميّز الحقيقة من الخطاب.

المقال التالي