هل وصل أخنوش إلى نهاية مساره السياسي؟.. مؤشرات عديدة تؤكد ذلك

منذ أن تولى عزيز أخنوش رئاسة الحكومة المغربية عقب انتخابات 8 شتنبر 2021، لم تتوقف دوائر الانتقاد عن ملاحقته على مختلف المستويات، سواء تعلق الأمر بأدائه الحكومي أو بخياراته السياسية أو حتى بطريقة تواصله مع الرأي العام؛ واللافت أن جزءا كبيرا من هذا الانتقاد لم يأت من خصومه التقليديين فقط، بل حتى من فئات اجتماعية عريضة كانت تعول على وعوده الانتخابية في تحسين ظروف المعيشة وفتح آفاق جديدة للإصلاح.
أحد أبرز مظاهر الفشل التي وُجهت لأخنوش وحكومته يتعلق أساسا بالتواصل؛ فالرجل، القادم من عالم المال والأعمال، تعامل مع منصب رئاسة الحكومة بمنطق تسيير الشركات، حيث يغلب على أسلوبه الطابع الإداري البارد والبعيد عن لغة السياسة وقضايا المجتمع؛ وبدل أن يكون قريبا من نبض الشارع، ظل غائبا عن المشهد المباشر، مكتفيا ببلاغات رسمية أو خرجات محدودة لم تقنع الرأي العام، مما عمق الهوة بين الحكومة والمواطنين. هذا الغياب عن البعد المجتمعي والإنساني جعل الكثيرين يعتبرون أن رئيس الحكومة فشل في أول اختبار حقيقي يتعلق بكسب ثقة الشارع المغربي.
من جهة أخرى، طرحت عدة تساؤلات حول تضارب المصالح الذي يلاحق أخنوش، خاصة عندما تفوز شركات مرتبطة به أو بمحيطه بصفقات عمومية؛ هذه الشبهات ألقت بظلالها على صورة رئيس الحكومة، وزادت من حدة الانتقادات التي ترى أن رجل الأعمال لم يستطع أن يتجرد من مصالحه الخاصة في سبيل المصلحة العامة.
كما أن الفريق السياسي المحيط بأخنوش ساهم بدوره في تقويض ما تبقى من رصيد شعبيته وشعبية حزبه التجمع الوطني للأحرار؛ فالكثير من البرلمانيين والوزراء المنتمين للحزب باتوا مادة دسمة للانتقادات، إما بسبب تصريحات مستفزة وغير متوازنة، أو بسبب عجزهم عن تقديم حلول ملموسة لمشاكل المغاربة. وبدل التركيز على الإصلاح والوفاء بالوعود، غالبا ما يلجأون إلى تبرير فشلهم عبر اتهام المعارضة أو تحميل المسؤولية للحكومات السابقة، وهو ما جعل صورتهم السياسية مهزوزة في أعين الرأي العام.
الأزمة تعمقت أكثر مع توالي فضائح الفساد التي طالت عددا من البرلمانيين والمنتخبين المنتمين للحزب، وصلت حد متابعتهم في ملفات حساسة مرتبطة بالمخدرات والرشوة وسوء التدبير؛ هذه القضايا لم تضرب فقط مصداقية الأشخاص المعنيين، بل مست سمعة الحزب بأكمله، وأعطت الانطباع بأن التجمع الوطني للأحرار يعيش أزمة أخلاقية وسياسية في آن واحد.
وإذا كان اختيار الوزراء يعتبر من بين المؤشرات على رؤية رئيس الحكومة، فإن أخنوش لم يسلم هو الآخر من الانتقادات اللاذعة في هذا الجانب؛ فقد عمد إلى وضع أسماء في وزارات استراتيجية كالصحة والتعليم، رغم عدم امتلاكهم لأي خبرة أو تكوين في هذه المجالات الحساسة، مكتفيا باختيار مقربين منه أو شركاء سابقين في شركاته. هذه القرارات اعتبرت دليلا إضافيا على غلبة منطق الزبونية والمحسوبية على منطق الكفاءة، وهو ما انعكس سلبا على أداء قطاعات تعتبر العمود الفقري لأي مشروع إصلاحي.
النتيجة المباشرة لكل هذه الاختيارات كانت بروز موجة احتجاجات غير مسبوقة دعا لها شباب عبر منصات التواصل الاجتماعي، امتدت لعدة مدن مغربية واستمرت لأيام، وما زالت الدعوات قائمة لمواصلة التظاهر إلى حدود كتابة هذه السطور؛ الشعارات التي يرفعها المحتجون تركز بالأساس على المطالبة برحيل حكومة أخنوش، ومحاسبة المسؤولين، والقطع مع الفساد الذي يرونه متجذرا في المشهد السياسي والاقتصادي.
كل هذه التطورات تعطي الانطباع أن عزيز أخنوش، الذي يوصف بأنه أغنى رجل في المغرب ورئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، يقترب من نهاية مساره السياسي؛ فحتى لو استمرت حكومته إلى نهاية ولايتها الدستورية، فإن مؤشرات السخط الشعبي والسياسي توحي بأن الرجل انتهى سياسيا، وأن حزبه بات في حاجة ماسة إلى تجديد النخب، واستقدام شخصيات ذات رؤية سياسية متوازنة وحكمة أكبر إذا أراد الاستمرار في الساحة الحزبية.
لقد دخل أخنوش إلى السياسة من بوابة المال والأعمال، لكنه يواجه اليوم معضلة كبرى: السياسة لا تدار بمنطق الصفقات والأرقام، بل بمنطق القرب من الناس وفهم تطلعاتهم؛ وإن لم ينجح في إدراك هذه الحقيقة، فإن نهايته السياسية ستكون مسألة وقت لا أكثر.
تعليقات