آخر الأخبار

الصحة في المغرب بين انتظارات المواطن وصمت المؤسسة التشريعية

عبد الله مشنون
كاتب صحفي مقيم في ايطاليا

في المغرب، ما زال المواطن البسيط حين يمرض يجد نفسه في مواجهة مباشرة مع واقع صحي معقد، تتداخل فيه مشاكل البنية التحتية، وندرة الموارد البشرية، وتأخر المواعيد، ونقص الأدوية. هذه الإشكاليات لم تعد مجرد هموم فردية، بل تحوّلت إلى قضية رأي عام تتطلب استجابة مؤسساتية حقيقية، وعلى رأسها البرلمان، باعتباره مؤسسة تمثيلية ورقابية بامتياز.

لكن، حين يتأمل المتتبع ما يجري، يتولد سؤال جوهري: أين هي المؤسسة التشريعية من كل ما يحدث في قطاع الصحة؟

في دولٍ جعلت من البرلمان سلطة فعلية، لا يتأخر النواب في التفاعل مع أزمات المجتمع، بل يكونون في الميدان، يستمعون، يسائلون، ويقترحون الحلول. أما في المغرب، ورغم جسامة ما يعرفه القطاع الصحي من تحديات، فإن الحضور البرلماني في هذا الملف لا يزال محتشماً، وكأن الأمر لا يستحق أكثر من سؤال شفوي أو تدخل موسمي.

لا نرى لجان تقصي حقائق، ولا زيارات ميدانية منتظمة، ولا حتى تقارير تقييم سنوية تخرج من المؤسسة التشريعية لتضع المسؤولين والوزراء أمام مسؤولياتهم.

وبوصفي إعلاميًا وكاتبًا من مغاربة العالم، أتابع عن كثب وباهتمام بالغ ما يعيشه المواطن المغربي من معاناة حقيقية، كلما اضطر إلى التوجه نحو مستشفى عمومي أو خاص. لقد بات الوصول إلى الحق في العلاج رحلة شاقة، تتخللها طوابير الانتظار، وندرة الأطباء، وغلاء الفحوصات أو غموض المساطر. وهي معاناة لا تنقلها فقط عدسات الصحافة أو شهادات المواطنين، بل تُلمس في العمق عند كل زيارة، وكل حالة عاجلة لا تجد من يُسعفها في الوقت المناسب. من هذا المنطلق، يصبح من غير المقبول أن تظل هذه الفجوة قائمة بين واقع المواطنين وممثليهم داخل البرلمان، في غياب تام للمواكبة الجدية أو المحاسبة الفعلية.

الدستور المغربي واضح في التنصيص على الحق في العلاج والرعاية الصحية. لكن، تحقيق هذا الحق لا يقع فقط على عاتق الحكومة، بل أيضًا على عاتق نواب الأمة، الذين يُفترض أن يكونوا صوت من لا صوت له، ويضطلعوا بدورهم في:

مراقبة تنفيذ السياسات الصحية.

اقتراح تعديلات تشريعية تعالج الاختلالات البنيوية.

إطلاق مبادرات تشريعية لحماية الفئات الهشة.

المطالبة بمحاسبة المقصّرين، بغضّ النظر عن مواقعهم.

في مشاهد متكررة أمام المستشفيات العمومية، يخرج المواطن عن صمته، يحتج، يصرخ، يطالب بحقه في العلاج. وفي المقابل، يندر أن نجد نائبًا برلمانيًا يساءل الوزير بشكل جدي، أو يطالب بجلسة طارئة، أو يفتح ملفاً شائكاً دون حسابات حزبية أو توازنات سياسية.

الصمت في هذه الحالة ليس حياداً، بل تقصيرٌ أخلاقي وسياسي، لأنه يكرّس فجوة الثقة بين المواطن ومؤسساته.

قد نختلف حول أداء وزارة الصحة، وحول نجاعة بعض الإصلاحات الهيكلية الجارية، لكن ما لا يمكن الجدال فيه هو أن أي إصلاح بدون رقابة برلمانية صارمة ومتابعة ميدانية حقيقية، يظل إصلاحًا ناقصًا ومفتوحًا على جميع الاحتمالات.

القطاع الصحي لا يدار فقط من المكاتب المركزية في الرباط، بل يجب أن يُراقَب من ممثلي الأمة في مختلف جهات المغرب، ليقفوا على واقع المستشفيات الجهوية والإقليمية، وعلى ظروف الأطر الصحية، وعلى معاناة المرضى في طوابير الانتظار.

حين يُترك المواطن وحيدًا في مواجهة أعطاب المنظومة الصحية، تتعزز قناعته بأن لا أحد يمثل صوته تحت القبة. وهذا ما يجب أن يتغير.

لسنا في حاجة إلى خطاب إنشائي أو شعارات موسمية، بل إلى برلمان مبادر، مسؤول، ومرتبط فعليًا بقضايا المجتمع، خصوصًا حين يتعلق الأمر بقطاع حيوي مثل الصحة، الذي لا يحتمل التأجيل أو التهاون.

إن إصلاح الصحة في المغرب لن يكتمل إلا حين يصبح صوت المواطن حاضرًا بقوة في المؤسسة التشريعية، ليس عبر أسئلة نظرية، بل عبر قرارات فعلية، تتبعها محاسبة حقيقية، وإرادة واضحة للقطع مع التهاون والإفلات من المسؤولية.

المقال التالي