آخر الأخبار

توسع إسرائيلي في الفلاحة المغربية.. بين الربح الإقتصادي ونزيف الماء

في خضم أزمة مائية غير مسبوقة يعيشها المغرب، خرجت الشركة الإسرائيلية “مهادرين” لتعلن عن توسع زراعي ضخم يهم زراعة الأفوكادو على مساحة 1400 هكتار. المفارقة صارخة: الفلاحون المغاربة يشتكون من خسائر بسبب موجات الحر وسقوط الثمار بنسبة تصل إلى 60%، بينما تُفتح الأبواب أمام استثمارات خارجية في قطاع بالغ الحساسية. المشروع لا يُقرأ فقط كخطوة اقتصادية، بل كعنوان جديد لنفوذ سياسي تغذيه اتفاقيات التطبيع وما تحمله من تنازلات غير معلنة.

الأرقام وحدها كفيلة بإبراز حجم الكارثة: إنتاج كيلوغرام واحد من الأفوكادو يتطلب ما بين 1000 و2300 لتر من المياه. إذاً، مشروع “مهادرين” وحده سيستهلك ما يقارب 10 مليارات لتر سنوياً، في وقت تُعلن فيه الدولة حالة “طوارئ مائية”، وتعيش السدود المغربية على وقع أدنى مستوياتها منذ عقود. كيف يمكن تبرير السماح بمثل هذه الاستثمارات بينما المواطن مدعو لترشيد استهلاكه اليومي من المياه؟

الجدل لم يبقَ حبيس الأوساط الإعلامية. في البرلمان، تساءلت النائبة فاطمة الزهراء التامني عن “تصدير المياه المغربية إلى أوروبا في شكل أفوكادو”، مؤكدة أن الأولوية يجب أن تكون تحقيق الاكتفاء الذاتي قبل التفكير في أسواق خارجية. لكن الحكومة لم تقدم أجوبة واضحة، بل فضّلت الصمت، في استمرار لسياسات غامضة تجاه ملف الماء والفلاحة. الملك نفسه دق ناقوس الخطر في خطابه البرلماني، داعياً إلى أخذ أزمة الماء بجدية، غير أن السياسات الملموسة لا تزال غائبة.

الخبراء الاقتصاديين ينقسمون بين من يرى في الأفوكادو فرصة اقتصادية مربحة، ومن يحذر من كارثة بيئية. البروفيسور كمال أبركاني يرى أن الزراعة الرقمية والفرز الجيني يمكن أن يقللا من استهلاك المياه، بينما الفاطمي بوكرزية يحذر من أن الفرشات المائية المغربية أصغر من أن تتحمل متطلبات هذه الزراعة. في المقابل، يواجه الفلاحون المحليون واقعاً قاسياً: خسائر متكررة بسبب الحر، وأسواق غير مستقرة، وتنافسية غير عادلة مع شركات أجنبية تملك رؤوس أموال ضخمة.

لكن خلفية المشروع تكشف أكثر من مجرد معادلة اقتصادية. استثمار “مهادرين” جاء مباشرة بعد اتفاق التطبيع المغربي-الإسرائيلي في ديسمبر 2020، وقد وُصف من قبل تقارير صحفية بأنه “هدية استثمارية” لإسرائيل. من هنا، يصبح السؤال: هل هو استثمار تجاري بحت، أم أداة لتعزيز النفوذ الإسرائيلي في قطاع استراتيجي للمغرب؟ الربط بين المياه، الأمن الغذائي، والسيادة الوطنية يجعل المشروع أكثر من مجرد صفقة زراعية.

في الوقت نفسه، أوروبا تنتظر المزيد. دول مثل إسبانيا وفرنسا وهولندا تستورد كميات متزايدة من الأفوكادو المغربي بأسعار منخفضة وجودة عالية، ما يدفع نحو مزيد من التوسع الزراعي على حساب الموارد المائية. في الموسم 2022-2023، صدّر المغرب 45 ألف طن بقيمة 139 مليون دولار. لكن ما يُصدّر في الحقيقة ليس فقط الأفوكادو، بل المياه المغربية نفسها.

المحصلة أن مشروع “مهادرين” يفضح تناقضاً صارخاً بين منطق الربح الاقتصادي وضرورات الأمن المائي والسيادة الغذائية. الحكومة غائبة عن المشهد، الفلاحون المحليون يواجهون المجهول، والمواطن البسيط قد يجد نفسه في المستقبل رهينة لأزمات مياه وغذاء متكررة. في النهاية، يبقى السؤال معلقاً: هل سيستمر المغرب في تصدير مياهه متخفية في شكل أفوكادو رخيص للأسواق الأوروبية، أم سيتحلى بالشجاعة لوقف نزيف استراتيجي يهدد أجياله القادمة؟

المقال التالي