طالب بتعويض ضخم…دعوى قضائية تكشف تناقضات “الأمير السابق” هشام العلوي

رفع الأمير مولاي هشام -الذي سبق أن أعلن تنازله عن صفة “الأمير”- دعوى قضائية عبر قانون الصحافة والنشر ضد الصحفي محمد رضا طوجني؛ الدعوى جاءت بعد أن انتقد طوجني الحوار الإعلامي الذي أجراه العلوي مع صحيفة ” إل كونفيدنسيال” الإسبانية، حيث عبر الصحفي عن رأيه المهني بجرأة، فكان الرد غير المتوقع: متابعته أمام القضاء.
المفارقة أن الأمير الاحمر كما يحب ان يلقب، لطالما قدم نفسه مدافعا شرسا عن الحريات، مناصرا لحرية التعبير، بل وسوق ذاته كصوت ديمقراطي حر ساند “ثورات الربيع العربي” ودافع عن حق الشعوب في قول كلمتها بلا قيود؛ ومع ذلك، فإن لجوءه اليوم إلى القضاء لمجرد انتقاد إعلامي بسيط، يضع مصداقيته على المحك، بل ويجعل صورته التي بناها على مدار سنوات تتهاوى عند أول احتكاك مع النقد.
ويتساءل متتبعون: كيف لشخص ألف كتابا بعنوان “سيرة أمير مبعد”، صاغه في قالب يظهره كصاحب فكر غربي متحرر ومنفتح، أن ينقلب على مبادئه بهذه السرعة؟ أين ذهبت الشعارات البراقة عن حرية الرأي والتعبير؟ يبدو أن هذه القيم تختفي بمجرد أن يوجه أحدهم نقدا مباشرا إلى “الأمير السابق”، لتطفو على السطح عقلية مغايرة تماما، عقلية تذكرنا بالذين طالما اتهمهم هشام نفسه بأنهم من خصوم الحرية.
والأغرب أن المحامي عبد الرحيم الجامعي الذي رفع الدعوى نيابة عنه استعمل عبارة “صاحب السمو الأمير مولاي هشام”، متناسيا أن موكله تبرأ من هذه الصفة في أكثر من مناسبة، بل وحتى حساباته على شبكات التواصل تحمل اسمه مجردا: “هشام العلوي”؛ فهل هو تناقض جديد، أم محاولة غير مباشرة للتأثير على القضاء باستعمال صفة تخلى عنها سابقا؟
الحوار الذي أجراه العلوي مع الصحيفة الإسبانية، لم يكن خاليا من الاستفزازات، إذ وصف من طرف مدونين ومتابعين بأنه هجوم مبطن على المؤسسة الملكية ومحاولة للتشويش على الملك محمد السادس، غير أن اللافت هو انتقائية “الأمير السابق”: فقد تجاهل عشرات الصحفيين والمدونين الذين انتقدوه من قبل، ليختار الطوجني وحده خصما قضائيا؛ والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: لماذا هذا الانتقاء؟ ولماذا الآن بالذات؟
المثير للسخرية أن “الامير المبعد” كما وصف نفسه، طالب في دعواه ضد الطوجني بتعويض قدره 100 مليون سنتيم؛ فهل يعقل أن من يزعم الدفاع عن حرية التعبير يسعى إلى إسكات صحفي بغرامة ثقيلة ترهقه وتخرجه من الميدان؟ ألم يكن من الأجدر، إن كان يشعر فعلا بضرر معنوي، أن يطالب بدرهم رمزي فقط كما يفعل من يضعون الكرامة قبل المادة؟ هذه الخطوة تكشف أن خطاب الحريات الذي يردده الامير مجرد واجهة لا تصمد أمام اختبار الممارسة.
ولا يقل الامر غرابة عن موقف المحامي الجامعي الذي تبنى الدعوى؛ فقد عرف عنه سابقا أنه مدافع شرس عن الحريات، حتى أنه ترافع دفاعا عن ناشطة هاجمت المقدسات الدينية علنا، متذرعا بحرية الرأي؛ فإذا به اليوم يقف في صف “أمير سابق” ضد صحفي لم يقم سوى بممارسة حقه في التعبير عن موقف إعلامي؛ تناقض يطرح علامات استفهام كبرى حول معايير الدفاع عن الحريات: هل هي مبدأ ثابت، أم ورقة تستعمل حسب الجهة والظرف؟
في المقابل، يظل محمد رضا طوجني واحدا من الأصوات الإعلامية الحرة التي لا تتردد في طرح المواقف الجريئة، منتصرا دوما لقضايا الحرية والعدالة الاجتماعية؛ وإن كان ثمة من يستحق الوقوف بجانبه في هذه القضية، فهو طوجني الذي عبر عن رأيه كما يفعل أي صحفي ملتزم بمهنته، بينما “الأمير السابق” اختار أن يضيف اسمه إلى قائمة من يسعون لتكميم الأفواه.
تعليقات