آخر الأخبار

المركز التجاري للأبحاث يكشف ارتفاع أرباح المصحات الخاصة بـ67% في ظل أزمة الصحة العمومية

في الوقت الذي تعيش فيه المستشفيات العمومية وضعاً متأزماً يكشف عن هشاشة المنظومة الصحية الوطنية، حققت المصحات الخاصة المدرجة في بورصة الدار البيضاء أرباحاً غير مسبوقة، إذ قفزت بنسبة 67 في المئة خلال النصف الأول من السنة. هذا الارتفاع، الذي وُصف بالتاريخي، يثير جدلاً واسعاً حول التباين الصارخ بين قطاع صحي عمومي يترنح تحت ضغط النقص في الموارد والتجهيزات، وقطاع خاص يواصل جني الأرباح مستفيداً من طلب متزايد على خدماته.

الإثنين، أشار تقرير صادر عن “مركز التجاري للأبحاث” إلى أن القطاع الصحي الخاص تصدر قائمة القطاعات الأكثر ربحية داخل البورصة، متقدماً على قطاعات كبرى اعتادت الريادة مثل البناء والأشغال العمومية التي سجلت +26 في المئة، وصناعة السيارات بـ+21 في المئة، والقطاع البنكي بـ+17 في المئة. هذه الأرقام تأتي في ظرفية دقيقة، بعدما فجرت أزمة مستشفى الحسن الثاني بأكادير النقاش العمومي مجدداً حول واقع الصحة بالمغرب، وأظهرت عجز المستشفيات العمومية عن الاستجابة لانتظارات المواطنين.

التقرير أوضح أن الاقتصاد المغربي عرف خلال الربع الثاني من السنة نمواً في الناتج الداخلي الإجمالي بنسبة 4,6 في المئة، مع تضخم مضبوط في حدود 1 في المئة، وهو ما وفر مناخاً إيجابياً عزز ربحية الشركات المدرجة بالبورصة. ومع ذلك، فإن المفارقة بين تحسن المؤشرات الاقتصادية والمالية للقطاع الخاص، خصوصاً الصحي، وتدهور خدمات المستشفيات العمومية، تطرح أسئلة ملحة حول أولويات السياسات العمومية وقدرتها على ضمان توازن حقيقي بين منطق السوق ومتطلبات الخدمة الاجتماعية.

ففي الوقت الذي تتسابق فيه المصحات الخاصة لتوسيع استثماراتها ورفع عائداتها، يجد آلاف المواطنين أنفسهم يومياً في مواجهة واقع مختلف داخل المستشفيات العمومية: طوابير طويلة في أقسام المستعجلات، نقص حاد في الأدوية الأساسية، عجز في الأطقم الطبية والتمريضية، وتأخر في مواعيد الفحوصات والعمليات الجراحية. هذه المعاناة تجعل من الأرباح القياسية للمصحات الخاصة عنواناً صارخاً لتفاقم الفوارق في الولوج إلى العلاج بين من يملك القدرة على دفع الفواتير الباهظة، ومن لا يجد سوى المستشفى العمومي كملاذ أخير.

التحليل المالي الصادر عن التقرير أشار أيضاً إلى أن بعض القطاعات الأخرى لم تتمكن من مجاراة هذا النمو، إذ سجل قطاع العقار انخفاضاً نصف سنوي في معاملاته بـ6,3 في المئة نتيجة تراجع مبيعات مجموعة الضحى، فيما واصل القطاع البنكي أداء مستقراً ينسجم مع توقعات السوق، محققاً زيادة بـ7,2 في المئة في الناتج البنكي الصافي و+12,2 في المئة في أرباح المجموعات. لكن، ورغم هذا التوازن في قطاعات أخرى، يبقى تفوق قطاع الصحة الخاصة لافتاً، ويكشف حجم التحولات التي يعرفها الاقتصاد الوطني لصالح الخدمات التجارية على حساب الخدمات الاجتماعية.

ويرى متابعون أن هذا الوضع يكرس خللاً هيكلياً في توزيع الموارد والإمكانات، حيث أصبحت المصحات الخاصة تستقطب فئات واسعة من المرضى الذين فقدوا الثقة في المستشفيات العمومية، ما يفسر نمو أرباحها بشكل متسارع. في المقابل، يظل القطاع العمومي يواجه تحديات بنيوية عميقة تتعلق بضعف التمويل، تردي البنية التحتية، وتراجع القدرة الاستيعابية، وهو ما يعيد طرح سؤال جوهري حول غياب رؤية شاملة لإصلاح الصحة العمومية.

وتكشف هذه المفارقة بين ازدهار القطاع الصحي الخاص وأزمة المستشفيات العمومية عن معادلة معقدة: هل سيبقى الحق في العلاج رهين القدرة على الدفع؟ أم أن الدولة ستتحمل مسؤوليتها في إعادة الاعتبار للخدمات الصحية العمومية، وضمان الحد الأدنى من الكرامة للمواطنين داخل المستشفيات؟ أسئلة تبقى مفتوحة، فيما تتواصل هوة التناقض بين منطق الربح السريع وواجب حماية الصحة كحق أساسي للجميع.

المقال التالي