فتيات مغربيات يغامرن بالسباحة نحو سبتة.. بين الحلم والمأساة

تشهد السواحل الشمالية للمغرب منذ مدة تزايداً لافتاً في محاولات الهجرة سباحة نحو مدينة سبتة المحتلة، حيث لم تعد هذه الظاهرة حكراً على الذكور أو الفئات المهمشة كما كان سائداً في السابق، بل باتت تشمل عدداً متنامياً من الفتيات، بينهن قاصرات في مقتبل العمر. هذا التحول لم يمر مرور الكرام، بل أثار اهتمام وسائل الإعلام الإسبانية والدولية، التي اعتبرته دليلاً على تحولات اجتماعية عميقة تتجاوز إطار الهجرة غير النظامية لتكشف عن أزمات اقتصادية وثقافية ومعيشية أوسع.
السبت – 20 سبتمبر، قدّم الخبير المغربي في قضايا الهجرة علي الزبيدي قراءة لهذه الظاهرة في تصريح لموقع InfoMigrants، مؤكداً أن “عدد النساء اللواتي يخترن السباحة إلى سبتة في تزايد متواصل”، معتبراً ذلك كسراً لصورة نمطية رسختها الثقافة السائدة لسنوات. وأضاف الزبيدي موضحاً: “لطالما ارتبطت فكرة السباحة لمسافات طويلة بالرجال، على أساس أنها تحتاج إلى قوة بدنية وقدرة عالية على التحمّل، بينما صُوّرت النساء على أنهن أكثر ارتباطاً بالأسرة وأقل استقلالية، وهو ما تغيّر اليوم مع إقبالهن على هذه المغامرات”.
وإلى جانب غياب فرص الشغل وانعدام الاستقرار الذي يدفع العديد من الشباب للتفكير في الهجرة، يلفت الزبيدي إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دوراً محورياً في تغذية هذه الظاهرة بين الفتيات. فقد تحولت منصة “تيك توك” إلى واجهة لعرض مقاطع مصورة توثق نجاح محاولات الوصول سباحة إلى سبتة، مما يمنحها بُعداً استعراضياً مشجعاً ويزرع في نفوس أخريات رغبة في التجربة نفسها. ومن أبرز الأمثلة في هذا السياق حالة شيماء الغريني، الشابة المغربية التي وثّقت بالصوت والصورة عبورها في صيف العام الماضي، لتجمع بعدها أكثر من مليون متابع على حسابها، وتتحول إلى أيقونة إلهام لعدد كبير من الفتيات الباحثات عن مخرج خارج حدود الوطن.
البعد الرياضي يشكل بدوره دافعاً آخر لا يقل تأثيراً، خصوصاً بعد الإنجاز التاريخي لأسود الأطلس في مونديال قطر 2022، وما تلاه من زخم رياضي على مستوى البطولات القارية التي استضافها المغرب في كرة القدم للرجال والنساء. ويشير الزبيدي في هذا الإطار إلى أن “كرة القدم أصبحت جزءاً من الحياة اليومية في المغرب، لكن غياب فرص الدعم والاحتراف بالنسبة للعديد من اللاعبين واللاعبات يدفع بعضهم إلى البحث عن آفاق في أوروبا، ولو عبر طرق محفوفة بالمخاطر، على أمل تحقيق حلم رياضي لا توفره الظروف المحلية”.
التحول في صورة المهاجرين عبر البحر سباحة يعد بدوره مؤشراً مثيراً للانتباه. ففي الماضي، ارتبطت الظاهرة أساساً بأطفال متخلى عنهم أو شباب مشرّدين يعيشون على هامش المجتمع، أما اليوم فقد أصبح معظم من يخوضون هذه المغامرات شباباً مدمجين اجتماعياً، يدرسون أو يعملون، لكنهم فقدوا الأمل في مستقبل داخل بلدهم. هذا التغير في تركيبة المهاجرين يكشف عن انتقال الظاهرة من الهامش إلى المركز، وهو ما يضع السلطات المغربية أمام تحديات جديدة في التعامل مع ملف الهجرة.
لكن خلف القصص التي تنجح في الوصول، تظل المآسي حاضرة بقوة. فالكثير من هذه المحاولات تنتهي بمآسي الغرق، في ظل مياه باردة وتيارات بحرية قوية تجعل من قطع المسافات سباحة مخاطرة قاتلة، خاصة بالنسبة للفتيات غير المتمرسات. وتؤكد منظمات حقوقية أن حالات الوفاة المسجلة لا تحظى دائماً بتغطية إعلامية، مما يزيد من صعوبة تقدير الحجم الحقيقي للثمن الإنساني لهذه الظاهرة.
وهكذا، تكشف محاولات الفتيات المغربيات للهجرة سباحة نحو سبتة عن واقع مركب يتداخل فيه الاجتماعي بالاقتصادي والثقافي والرياضي. إنها صورة لليأس والأمل في آن واحد، حيث تلتقي قصص البحث عن الحرية والفرص خارج الحدود مع مأساة الفقد والمخاطر التي تبتلع أحلام الكثيرين في عرض البحر.
تعليقات