تقرير مرصد الجريمة يكشف: “البوفا” تغزو شوارع المملكة بـ 1.044 توقيفًا و18 كيلوغرامًا من المخدرات في عامين

يواصل مخدر “البوفا” انتشاره بشكل مقلق في بعض الأحياء الهامشية بالمغرب، ليُضاف إلى قائمة التحديات الأمنية والاجتماعية التي تواجهها البلاد. وفي تقرير حديث، كشف المرصد الوطني للجريمة عن توقيف أكثر من 1.000 شخص بين عامي 2022 و2024 بتهم تعاطي أو ترويج هذه المادة المخدرة، مع تسجيل 3 وفيات، من بينها حالة لامرأة. ورغم أن الأرقام قد تبدو صادمة، فإنها تطرح تساؤلات حاسمة حول الدور الذي يلعبه الفراغ والبطالة في تفشي هذه الظاهرة.
تقرير المرصد أشار إلى تصاعد ملحوظ في حالات الاعتقال المتعلقة بالبوفا، حيث تم توقيف 482 شخصًا في 2023 و470 في 2024. هذه الأرقام تعكس تزايد استهلاك المخدرات في الأحياء الفقيرة التي تعاني من غياب الفرص الاقتصادية. وبالتالي، يعكس “البوفا” أكثر من مجرد تهديد صحي؛ فهو مرآة لواقع اجتماعي مؤلم يعيشه الكثيرون في بيئات تفتقر إلى فرص العمل والتنمية.
الأسباب الاجتماعية العميقة لهذه الظاهرة لا يمكن تجاهلها. فالعديد من الشباب في هذه المناطق يجدون أنفسهم عاطلين عن العمل، مما يجعلهم عرضة للاستسلام لمغريات المخدرات كوسيلة للهروب من معاناتهم اليومية. وبجانب غياب الفرص الاقتصادية، يساهم نقص التوعية الاجتماعية والعجز عن تقديم برامج فعالة للتأهيل في تفشي هذه الظاهرة.
ومع تصاعد العنف المرتبط بتعاطي المخدر، من 4 حالات في 2022 إلى 37 في 2023، فإن الأمر يتطلب تدخلًا عاجلًا من الجهات المعنية ليس فقط لمكافحة المخدرات بل أيضًا لمعالجة الأسباب الاجتماعية التي تدفع الفئات الأكثر ضعفًا نحو هذا المسار المدمر. فالتحدي الأكبر لا يكمن فقط في التصدي للظاهرة من خلال العقوبات القانونية، بل في الحد من الفراغ الذي يعاني منه الشباب، الذي يقودهم في النهاية إلى هذا المسار المظلم.
من أجل مواجهة هذه الظاهرة بشكل فعّال، يجب التركيز على حلول تتجاوز المعالجة الأمنية التقليدية. أولاً، يجب تعزيز برامج التدريب المهني والتشغيل للشباب، خاصة في المناطق التي تُسجل فيها أعلى معدلات الاستهلاك. فالتوظيف يُعد أحد أهم العوامل التي يمكن أن تساهم في الحد من هذه الظاهرة، حيث يمنح الشباب بديلاً مثمرًا للإحساس بالفراغ.
ثانيًا، ينبغي على الحكومة تحسين التنسيق بين المؤسسات المعنية بمكافحة المخدرات، وتعزيز برامج التوعية التي تستهدف الأحياء الشعبية. كما يجب تطوير مراكز علاجية متخصصة تدعم المتعاطين في مراحل العلاج والتأهيل النفسي، وتقديم حلول بديلة للعقوبات السجنية التي قد تؤدي إلى تزايد الأزمات النفسية والاجتماعية للمحكوم عليهم.
وأخيرًا، فإن تفعيل التعاون الدولي في مجال مكافحة المخدرات يمكن أن يسهم في الحد من تدفق هذه المواد الخطرة إلى المغرب، عبر تقنيات كشف متقدمة وتبادل المعلومات بين الدول. هذه الإجراءات يجب أن تكون مصحوبة بإصلاحات تشريعية تراعي التغيرات في سوق المخدرات وتحمي المجتمع من هذه الآفة.
تعتبر ظاهرة “البوفا” تحديًا متشابكًا يتطلب معالجة شاملة على الأصعدة الاجتماعية، الأمنية، والصحية. من خلال التركيز على معالجة جذور المشكلة، مثل البطالة والفراغ الاجتماعي، يمكن توفير بيئة أكثر استقرارًا تحمي الشباب من الانزلاق إلى هذا النوع من المخدرات.
تعليقات