مصلحة جراحة الأطفال بالدار البيضاء على حافة الانهيار: طبيب يطلق صرخة عاجلة لإنقاذ القطاع

تعكس أوضاع العديد من مستشفيات المملكة فشلاً واضحاً للحكومة في تطوير قطاع الصحة، حيث تعاني المرافق العمومية من نقص حاد في الموارد البشرية، ضعف التجهيزات، وضغوطات مستمرة على الأطر الطبية، ما ينعكس سلباً على جودة الخدمات المقدمة للمرضى.
ومن بين أبرز الأمثلة على هذه الأزمة المزمنة، مصلحة جراحة الأطفال بالمستشفى الجامعي الهاروشي بالدار البيضاء، التي تواجه وضعاً خطيراً يهدد صحة الأطفال وسير التكوين الطبي في آن واحد.
في هذا الصدد، أثارت تدوينات نشرها الطبيب أحمد جرمومي، المختص في جراحة الأطفال بالمستشفى، حالة من القلق حول الأوضاع المزرية داخل المصلحة، مؤكداً أن بيئة العمل أصبحت “سامة بكل المقاييس”، حيث يغيب التأطير العلمي والتدريس البيداغوجي، وتتحول الاجتماعات الطبية المفترض أن تكون فرصة للتكوين وتبادل الخبرات، إلى ساحات للإهانات والضغط النفسي المستمر على الأطباء.
وأشار جرمومي إلى أن مثل هذه الممارسات تتعارض مع الفصل 22 من الدستور المغربي الذي يحمي السلامة الجسدية والمعنوية لكل فرد، ومع المادة 78 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية التي تلزم الإدارة بحماية موظفيها من الاعتداءات والإهانات، مؤكداً أن الأجواء السامة انعكست مباشرة على الصحة الجسدية والنفسية للأطباء، وتسببت في أمراض مرتبطة بالضغط النفسي، إضافة إلى تسارع رحيل عدد كبير من الأطباء عن المصلحة.
وتكشف الإحصاءات المروعة التي نشرها الطبيب أن من نهاية 2020 إلى 2025، تم الإعلان عن 36 منصباً في مباراة الإقامة لتخصص جراحة الأطفال، غير أن المصلحة لم تحتفظ سوى بستة أطباء مقيمين فقط، في ظل أجواء مليئة بالضغط والإهانات، ما اضطر البعض لتغيير التخصص أو المدينة، وآخرون إلى مغادرة البلاد؛ وهذا الوضع جعل عدد المقيمين النشطين غالباً لا يتجاوز طبيباً واحداً في الحراسة، يتحمل وحده استقبال جميع الحالات المستعجلة للأطفال على مستوى جهة الدار البيضاء–سطات، التي تضم حوالي 1.9 مليون طفل دون 15 سنة، بحسب المندوبية السامية للتخطيط.
ويؤكد جرمومي أن استمرار هذا الوضع لم يعد شأنًا داخليًا يخص الأطباء فقط، بل أصبح تهديداً مباشراً لصحة الأطفال وضمان حقهم في العلاج، كما أنه يضر بجودة التكوين الطبي ويضعف الثقة في المستشفيات العمومية. ومن هنا، دعا إلى تدخل عاجل لإنقاذ مصلحة جراحة الأطفال من الانهيار، وإعادة الاعتبار لهذا التخصص الحيوي الذي لا غنى عنه لضمان صحة الأطفال ومستقبل التكوين الطبي في المغرب.
ويؤكد الطبيب، في ختام رسالته، أن صموده وجهده المستمر هو دفاع عن العدالة الصحية وحماية حقوق الأطفال المغاربة، في ظل غياب الإصلاحات الجوهرية التي طال انتظارها من الحكومة.
تعليقات