بين ما قيل في “الأولى” و”دوزيم” وما تكشفه وقائع الحوز.. الفجوة بين خطاب الإنجاز لأخنوش وواقع المعاناة

أعلن رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش، خلال اجتماع للجنة الوزارية المكلفة ببرنامج إعادة البناء والتأهيل للمناطق المتضررة من زلزال الحوز، أن الحصيلة المحققة “ملموسة”، مشيراً إلى استكمال بناء أو تأهيل أكثر من 51 ألف مسكن، وتوزيع ما يقارب 6.9 مليار درهم من الدعم المالي على الأسر المتضررة. كما أوضح أن المشاريع شملت البنيات التحتية من طرق ومؤسسات تعليمية ومراكز صحية، فضلاً عن دعم الفلاحين والتجار في المناطق المنكوبة.
الرواية الرسمية التي قدّمها رئيس الحكومة، وأُعيد ترويجها على شاشات الإعلام العمومي أمس الأربعاء، بدت وكأنها تلخص مساراً ناجحاً لبرنامج الإعمار. فقد تحدث عن نسب إنجاز متقدمة، وتراجع كبير في عدد الخيام، وعن جهود تبذلها الدولة لإعادة تأهيل القرى والبلدات المتضررة. غير أن هذه الصورة الوردية تصطدم مع شهادات من عين المكان تصف واقعاً مختلفاً تماماً، حيث ما زالت آلاف الأسر تقيم في خيام بلاستيكية بعد مرور سنتين على الفاجعة، وتعيش في ظروف قاسية تحت رحمة حر الصيف وبرد الشتاء.
أحد سكان منطقة أمزميز يؤكد أن عائلته ما زالت تنام تحت الأشجار خوفاً من الهزات الارتدادية، مضيفاً أنه فقد 37 فرداً من أسرته خلال الزلزال، لكن الألم الأكبر اليوم هو “الموت البطيء” الذي يعيشه الناجون بسبب الإقصاء والتهميش. شهادته تكشف عن خروقات في توزيع الدعم، حيث استفاد أشخاص مقربون من أعوان السلطة والمنتخبين، بينما ظلت أسر متضررة بلا تعويض كامل، وأحياناً بلا أي مساعدة.
تقرير لجنة تقصي الحقائق التابعة للعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان بمراكش آسفي قدّم أرقاما صادمة:
- 16% من الأسر المتضررة لم تستفد من أي دعم، أي ما يعادل أكثر من 1,650 أسرة، وهو رقم يفوق بكثير النسبة الرسمية المعلنة (2.7%).
- 79% من الأسر التي انهارت منازلها كلياً حصلت فقط على 80 ألف درهم بدل 140 ألفاً، رغم أن المبلغ المحدد رسمياً هو 140 ألف درهم.
- أما الدعم الشهري البالغ 2,500 درهم على مدى 12 شهراً (ممدد لـ 5 أشهر إضافية)، فأكد 82% من المستجوبين أنه لم يغطِ مصاريف إعادة البناء، مقابل 2% فقط اعتبروه كافياً.
التناقض يتسع أكثر حين تُقارن هذه المعطيات بالبلاغات الرسمية، التي تقول إن نسبة التقدم تجاوزت 60%، وإن عدد الخيام تراجع بأكثر من 90%. لكن الواقع الميداني يكشف أن أسباباً اجتماعية وإدارية، من نزاعات الورثة إلى غياب المتابعة الفعلية، حالت دون استفادة شريحة واسعة من المتضررين. والأسوأ أن بعض الأسر أُجبرت على العودة إلى منازل متصدعة تهددها بالانهيار في أي لحظة، فقط من أجل تقليص عدد الخيام التي اعتُبرت “تشوهاً للمنظر العام”.
هكذا يجد الرأي العام نفسه أمام مفارقة صارخة: خطاب رسمي مطمئن يتحدث عن مليارات أُنفقت وآلاف المنازل أُعيد بناؤها، في مقابل واقع يرويه المتضررون يومياً بلغة الألم والمعاناة، حيث لا يزال المغرب يسير بسرعتين؛ سرعة تُظهرها المشاريع الكبرى في المدن، وأخرى بطيئة تعكسها خيام الحوز وأحلام ساكنتها المؤجلة.
ورغم هذه التناقضات الفادحة، بدا الصحفيون في الحوار وكأنهم حضروا لتلميع الصورة لا لمساءلة المسؤول. اكتفوا بتدوين ما يقوله أخنوش وكأنهم في درس مدرسي، دون أي محاولة لمقاطعته أو مساءلته بجدية. والنتيجة أن الحوار بدا أقرب إلى إعلان تجاري طويل، حيث أدى الصحفي دور “المذيع” أكثر من “المحقق”، في مشهد ساخر يعكس مأساة إعلام عمومي فقد بوصلة الجرأة واكتفى بدور المروّج الرسمي للسلطة.
تعليقات