تقرير لـ”مغرب تايمز” يوثق: زيادات صادمة في رسوم التعليم الخاص وعجز وزارة التربية أمام جشع المؤسسات

يشهد قطاع التعليم الخصوصي في المغرب إقبالاً متزايداً، حيث بلغ عدد التلاميذ المسجلين فيه خلال الموسم الدراسي الماضي أكثر من 1.136.000 تلميذ من أصل 8.112.000، أي ما يعادل 15.3% من مجموع المتمدرسين. ورغم هذه النسبة المحدودة مقارنة بالتعليم العمومي، فإن كلفة التمدرس أصبحت تشكل عبئاً ثقيلاً على الأسر المغربية، خاصة مع الارتفاع الكبير لأسعار الكتب واللوازم المدرسية. خلال الأسبوع الجاري، تصاعد الجدل بعدما فوجئت الأسر بزيادات جديدة في رسوم التمدرس تراوحت بين 200 و400 درهم شهرياً، وأحياناً أكثر، في ظل غياب آلية قانونية تحدد سقف الأسعار. وتبقى هذه الرسوم خاضعة لمنطق العرض والطلب وجودة الخدمات المرتبطة بها، مثل النقل والإطعام والتأمين.
وتختلف الكلفة حسب طبيعة المؤسسة والمدينة، إذ تصل في بعض المدارس المتوسطة إلى 11 ألف درهم سنوياً، فيما ترتفع في مدارس كبرى بالدار البيضاء أو طنجة إلى 26 ألف درهم، لتصل في المدارس الدولية إلى ما بين 45 و70 ألف درهم، إضافة إلى رسوم تسجيل أولية تتجاوز أحياناً 40 ألف درهم. هذه الأرقام تجعل تمدرس طفل واحد يستهلك ثلث دخل الأسرة السنوي البالغ في المتوسط 83 ألف درهم، وفق بيانات المندوبية السامية للتخطيط. الأسر المغربية المنتمية للطبقة المتوسطة هي الأكثر تضرراً من هذا الوضع، حيث تستهلك تكاليف تمدرس طفلين أكثر من نصف دخلها السنوي، مما يضعها أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما التضحية بجزء كبير من مصاريفها الأساسية، أو البحث عن بدائل أقل كلفة على حساب جودة التعليم.
في المقابل، لم تتمكن مدارس “الريادة” التي أطلقتها الحكومة لتوفير نموذج للتعليم العمومي بجودة عالية من تحقيق أهدافها. فرغم الوعود، سجلت هذه المدارس نسب استقطاب محدودة لم تتجاوز في بعض المدن الكبرى 20% من الطاقة الاستيعابية، إضافة إلى صعوبات مرتبطة بنقص الأطر التربوية والتجهيزات، مما جعلها تفقد جاذبيتها أمام التعليم الخصوصي. كما أن تقارير برلمانية سابقة سجلت ضعفاً في النتائج الدراسية داخل هذه المدارس مقارنة بما كان منتظراً منها، وهو ما يعكس فشلها في تخفيف الضغط على القطاع الخصوصي وفي توفير بديل حقيقي للأسر.
أمام هذا الوضع، اتخذت وزارة التربية الوطنية إجراءات للحد من التجاوزات، من بينها إلزام المؤسسات بنشر رسومها ومنع طرد التلاميذ بسبب نزاعات مالية، غير أن الوزير محمد برادة أكد أن الوزارة لا تملك صلاحية قانونية لتحديد أو تقنين الأسعار، باعتبار أن القانون رقم 06.00 المنظم للتعليم الخصوصي لا يمنحها هذه الصلاحية. في المقابل، يُتداول مشروع قانون جديد (59.21) يهدف إلى تنظيم العلاقة بين الأسر والمؤسسات، من خلال عقد نموذجي سنوي يحدد بوضوح التزامات الطرفين، أبرزها منع أي زيادة مفاجئة في الرسوم خلال الموسم الدراسي، وإلزام المدارس بنشر لوائح أسعارها وخدماتها بشكل شفاف.
تعيش الأسر اليوم حالة من القلق بين طموح ضمان تعليم جيد لأبنائها ومحدودية قدرتها الشرائية، في وقت تتصاعد فيه الدعوات من المجتمع المدني إلى تسقيف الرسوم وربطها بمستوى التضخم. كما يطالب الكثيرون بإعادة الاعتبار للتعليم العمومي وتجويده باعتباره الحل الوحيد لإعادة التوازن إلى المنظومة التعليمية. وبين غياب آليات المراقبة وضعف البدائل، يبقى السؤال مطروحاً: إلى متى ستظل الأسر المغربية رهينة لتقلبات سوق التعليم الخصوصي؟
أمام هذه الأزمة البنيوية، يطرح خبراء ومهتمون عدداً من الحلول العملية التي يمكن أن تخفف من حدة الوضع. في مقدمتها تعديل الإطار القانوني عبر مراجعة القانون 06.00 لمنح وزارة التربية صلاحيات فعلية في ضبط الأسعار وربطها بمؤشر التضخم، مع التفعيل السريع للقانون 59.21 الذي يفرض عقوداً نموذجية شفافة تحظر أي زيادات مفاجئة خلال الموسم الدراسي. كما يبرز خيار تعزيز الرقابة والشفافية من خلال منصة وطنية تُلزم المؤسسات بنشر رسومها وخدماتها بالتفصيل، وتشكيل لجان تفتيش مشتركة تضم ممثلين عن أولياء التلاميذ لضمان مطابقة الأسعار لجودة الخدمات.
إلى جانب ذلك، يرى كثيرون أن تمكين الأسر ودعمها يشكل خطوة أساسية، سواء عبر آلية شكاوى سريعة تبت في النزاعات المالية في أجل أقصاه 30 يوماً، أو من خلال دراسة دعم مالي مباشر للأسر المتوسطة والفقيرة التي تضطر للجوء للتعليم الخاص. غير أن الحل الجذري يبقى في إصلاح التعليم العمومي ورفع ميزانيته وتجويد برامجه وتكوين أطره، مع إعادة هيكلة مدارس “الريادة” لتصبح بديلاً حقيقياً. وأخيراً، فإن كسر الاحتكار وتعزيز المنافسة يظلان مفتاحاً أساسياً عبر تدخل مجلس المنافسة لمعاقبة المؤسسات المتلاعبة وتشجيع فتح مدارس جديدة في المناطق المحتكرة، بما يضمن منافسة صحية وانعكاساً إيجابياً على الأسعار وجودة التعليم.
تعليقات