آخر الأخبار

إسرائيل الأولى عالميًا في سوق برمجيات التجسس بقيمة 500 مليار دولار

رغم التحذيرات المتكررة من مخاطر برمجيات التجسس، مضت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب في خطوة مثيرة للجدل، إذ سمحت لوكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك (ICE) باستخدام واحدة من أكثر أدوات الاختراق تطوراً، بعد تعاقدها مع شركة Paragon Solutions. هذه الأخيرة تسوّق برنامجها المسمى “Graphite” بصفته قادراً على تجاوز التطبيقات المشفّرة، مما أثار مخاوف واسعة حول انتهاك خصوصية المهاجرين على الأراضي الأميركية.
الثلاثاء، جاء الإعلان ليؤكد انتقال تلك الأدوات من أروقة الاستخبارات إلى مؤسسات حكومية أميركية معنية مباشرة بشؤون الحدود.

برمجيات التجسس، في جوهرها، برمجيات خبيثة تُزرع سراً داخل الأجهزة الذكية لاستنساخ البيانات الشخصية والتجسس على المكالمات والرسائل، إضافة إلى التحكم بالكاميرا والميكروفون وتتبع المواقع الجغرافية. وارتبط اسم “بيجاسوس”، الذي طورته مجموعة NSO Group الإسرائيلية، بكونه الأشهر والأخطر في هذا المجال، بفضل قدرته على اختراق أنظمة “أندرويد” و”iOS” دون علم المستخدم وحتى من دون تفاعل مباشر معه، ما جعله أداة مراقبة معتمدة من حكومات عديدة ضد صحافيين ونشطاء وسياسيين بارزين.

تقرير صادر عن موقع Grand View Research كشف أن سوق برمجيات التجسس بلغت 245.6 مليار دولار في 2024، مع توقعات ببلوغها 500.7 مليار دولار بحلول 2030. وتأتي الشركات الإسرائيلية في طليعة هذه السوق، حيث تحتل المراتب الخمس الأولى عالمياً. برنامج “بيجاسوس” يتقدم القائمة، بفضل تقنياته القائمة على ثغرات “Zero-Click”، التي تسمح بالاختراق دون أي تدخل من المستخدم، وقد أثار ضجة عالمية عام 2021 بعد الكشف عن استخدامه للتجسس على قادة ومسؤولين حول العالم.

في المرتبة الثانية تبرز شركة Candiru الإسرائيلية ببرمجيتها “DevilsTongue”، القادرة على استهداف أنظمة متعددة بفضل ثغرات غير معلنة وبنية تحتية مموّهة. كما تطرح مجموعة Intellexa Consortium برمجية “Predator”، بينما تروّج Paragon لبرنامجها “Graphite” الذي أثار الجدل في الولايات المتحدة، بعد السماح لوكالة ICE بالاعتماد عليه في فحص هواتف المهاجرين.

ويرجع تفوق إسرائيل إلى خبرات وحدتها الاستخباراتية 8200، المتخصصة في التنصت الإلكتروني والهجمات السيبرانية. خريجو هذه الوحدة نقلوا خبراتهم إلى القطاع الخاص وأسّسوا شركات بارزة مثل NSO وCandiru وParagon وQuadream، مما جعل القطاع التجاري امتداداً غير رسمي للقدرات العسكرية الإسرائيلية، وأضفى على منتجاتها شرعية تحت مظلة “مكافحة الإرهاب” و”الأمن القومي”. هذا المسار جعل إسرائيل المصدّر الأول لأدوات المراقبة الرقمية، تحت إشراف وزارة الدفاع التي تمنح تراخيص تصدير لهذه التقنيات.

ورغم الهيمنة الإسرائيلية، تحتفظ بعض الشركات الأوروبية بمكانتها، أبرزها Gamma Group الألمانية-البريطانية صاحبة برمجية “FinFisher”، إضافة إلى شركات أصغر مثل Cy4Gate وNegg Group الإيطاليتين وVariston الإسبانية، التي تقدم حلولاً أكثر تخصصاً لمراقبة منصات محددة.

تعمل هذه البرمجيات بأساليب خفية يصعب كشفها، سواء عبر روابط تصيّد أو ثغرات أمنية تستغل مباشرة داخل أنظمة التشغيل، وبعد التثبيت تتيح للجهة المهاجمة التحكم الكامل بالجهاز والتجسس الحي على الضحية. هذه الخصائص جعلت منها أدوات شديدة الخطورة، يصعب اكتشافها حتى من قبل مستخدمين ذوي خبرة تقنية.

في عام 2024، وقّعت Paragon عقداً بقيمة مليوني دولار مع وكالة ICE لتزويدها ببرنامج “Graphite”، قبل أن يعلّق مؤقتاً خلال ولاية الرئيس السابق جو بايدن. غير أن استحواذ شركة أميركية على Paragon في 2025 سمح بإعادة تفعيل العقد، مما أثار انتقادات حقوقية حول “شرعنة” أدوات مراقبة مثيرة للجدل. تقارير حديثة من Citizen Lab ووكالة أسوشيتد برس أظهرت أن “Graphite” استُخدم بالفعل للتجسس على صحافيين ونشطاء في إيطاليا، ما قوّض مزاعم الشركة بأنها تستهدف فقط “الإرهابيين والمجرمين”.

تنامي هذه السوق ليصبح حجمه مئات المليارات يطرح أسئلة جوهرية حول التوازن بين الأمن القومي والحقوق الفردية، في وقت تتحول فيه برمجيات التجسس إلى صناعة عابرة للقارات، تسيطر عليها شركات إسرائيلية بالدرجة الأولى، مع حضور أوروبي وأميركي متزايد، لكنها جميعاً تثير جدلاً أخلاقياً وقانونياً لم تتضح مآلاته بعد.

المقال التالي