سيارات الخدمة بالجماعات الترابية.. امتياز شخصي أم وسيلة لخدمة المرفق العام؟

لا تزال إشكالية تدبير سيارات الخدمة داخل الجماعات الترابية بالمغرب تثير الكثير من الجدل، بعدما تحولت هذه الآليات، التي يفترض أن تضمن استمرارية المرافق العمومية، إلى وسيلة لتحقيق مصالح شخصية وسياسية ضيقة؛ هذا الواقع، الذي أكدته تقارير رسمية، يعكس حجم الاختلالات التي تنخر الإدارة المحلية ويقوض ثقة المواطنين في تدبير الشأن العام.
ووفق التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات برسم سنتي 2023-2024، فإن أسطول سيارات الجماعات الترابية، الذي يضم حوالي 50 ألف مركبة من سيارات وآليات ودراجات نارية، يعاني من غياب استراتيجية واضحة للتدبير ومن ضعف آليات الرقابة والتتبع؛ وقد بلغت النفقات المخصصة لهذا الأسطول ما بين 2016 و2022 ما يناهز 6,2 مليار درهم، منها 3,2 مليار درهم خصصت للمحروقات والزيوت، دون أن يواكب ذلك أي برنامج للصيانة الوقائية أو خطة لترشيد الاستعمال.
التقرير أشار أيضا إلى أعطاب تنظيمية مقلقة، إذ أن 88% من الجماعات لا تتوفر على برامج سنوية للصيانة، و96% تفتقد إلى أدلة للإصلاحات، فيما 37% منها لا تملك فضاءات مناسبة لإيواء السيارات؛ كما أن 77% من المقتنيات المسجلة بين 2016 و2023 همّت سيارات خفيفة ونفعية، مقابل تراجع كبير في اقتناء الآليات والتجهيزات الضرورية لأداء المهام الأساسية للجماعات.
الأكثر من ذلك، أوضح التقرير أن ممارسات سوء الاستعمال ترتكز في كثير من الأحيان على تواطؤات داخلية، حيث يتم إغفال جرد المركبات أو مراقبتها، مما يجعل تتبعها أمرا صعبا؛ كما يظل غياب إطار قانوني واضح بشأن السيارات الموضوعة رهن إشارة المسؤولين في منازلهم ثغرة تستغل لتبرير الاستعمالات غير المهنية، في أحيان كثيرة بوثائق داخلية ناقصة أو مشكوك في صحتها.
ولتدارك هذه الاختلالات، أوصى المجلس الأعلى للحسابات بضرورة وضع إطار قانوني خاص ينظم استعمال وتخصيص وإرجاع سيارات الخدمة داخل الجماعات الترابية، مع الدعوة إلى ترشيد عمليات الشراء، والحد من اللجوء إلى عقود الكراء الطويلة الأمد، وإحداث دفاتر إلكترونية لتتبع المسافات المقطوعة والاستهلاك والاستعمال الفعلي لهذه السيارات.
وفي خطوة عملية على المستوى الجهوي، أصدرت جهة الدار البيضاء-سطات في شتنبر 2025 دورية تمنع أي استعمال خارج المهام الرسمية دون ترخيص موثق، وتحدد مدة وضع السيارات رهن الإشارة، كما تحظر تشغيلها خارج أوقات العمل إلا في حالات الطوارئ المبررة.
ورغم أهمية هذه الإجراءات، إلا أنها تكشف الحاجة الملحة إلى إصلاح عميق لمنظومة تدبير سيارات الخدمة، حتى تعود إلى دورها الأصلي كأداة لخدمة الصالح العام، لا كامتياز شخصي لفئة من المنتخبين والمسؤولين الترابيين.
تعليقات