بين تعنّت وهبي واستقالة نائبة رئيس الوزراء البريطانية.. حين يصبح الخطأ ثِقلاً في لندن وفضيحة عابرة في الرباط

في مشهدين متعاكسين يعكسان هوة أخلاقية وسياسية عميقة، تقدمت مسؤولة بريطانية رفيعة باستقالتها بسبب خطأ ضريبي غير مقصود، بينما يتمسك وزير العدل المغربي بمنصبه رغم اتهامات بالتهرب الضريبي المتعمد.
أنجيلا راينر، نائبة رئيس الوزراء البريطاني، قدمت استقالتها فوراً اليوم الجمعة، بعد أن أقرت بوقوع خطأ تقني في الإقرار الضريبي لصفقة عقارية. لم تنتظر التحقيقات ولا الضغوط الإعلامية، بل بادرت بالخطوة الأخلاقية للحفاظ على مصداقية الحكومة ومبادئ النزاهة.
في المقابل، يصمد عبد اللطيف وهبي، وزير العدل المغربي، في منصبه رغم الوثائق المسربة التي تثبت شرائه فيلا فاخرة بقيمة 11 مليون درهم، بينما صرح رسمياً بقيمة لا تتجاوز المليون درهم فقط. الفارق الضخم الذي يقارب 10 ملايين درهم، يكشف عن محاولة واضحة للالتفاف على القانون.
المفارقة الصارخة تكمن في أن مسؤولة بريطانية تستقيل بسبب خطأ غير مقصود بقيمة 40 ألف جنيه، بينما وزير العدل المغربي يتمسك بمنصبه رغم فارق 10 ملايين درهم في التصريح الضريبي.
المأساة أن وهبي ليس مواطناً عادياً، بل وزير العدل، حامي القانون والمنوط به تطبيق العدالة. كيف يمكن لرجل يقف على رأس الهيئة القضائية أن يكون أول من يخرق القانون؟
الأكثر إثارة للاستياء هو الصمت الرسمي المطبق حول القضية. أحزاب المعارضة تقدمت بشكايات، وهيئات مدنية طالبت بالتحقيق، لكن آليات المساءلة ما تزال معطلة بشكل مريب.
السؤال الذي يفرض نفسه: أين هي هيئة النزاهة والوقاية ومحاربة الرشوة؟ أين وزارة الاقتصاد والمالية؟ أين الحكومة التي تتباهى بمحاربة الفساد؟
الحقيقة المرة أن النظام السياسي المغربي يفتقر إلى آليات المساءلة الحقيقية. ثقافة الإفلات من العقاب هي السائدة، بينما في الديمقراطيات العريقة، يكفي الخطأ الأخلاقي لإسقاط أي مسؤول.
العار الحقيقي ليس في ارتكاب الخطأ، بل في التمادي فيه والتصميم على تجاهل مطالب المحاسبة. الشعب المغربي يستحق تفسيراً واضحاً، وليس تصريحات ملتوية عن “هبات قانونية”.
الرسالة التي يبعثها هذا الصمود المريب خطيرة: المسؤولون فوق القانون، ومعايير المحاسبة تختلف بين المواطن البسيط وأصحاب النفوذ.
لن تقوم لأية دولة قائمة بدون مساءلة حقيقية. استقالة راينر في بريطانيا تذكرنا بأن الكرامة السياسية لا تقدر بثمن، وأن تحمل المسؤولية هو أساس المصداقية.
أما في المغرب، فما زلنا ننتظر أن يجد أحدهم الشجاعة لـ”تعليق الجرس”، كما قال القيادي السياسي عبد العزيز أفتاتي في قضية حراك الريف. لكن يبدو أن الأجراس في بلادنا صامتة، أو ربما مصدئة.
تعليقات