آخر الأخبار

التامني في حوار مع “مغرب تايمز”: مناخ الحريات شرط أساسي لانتخابات ديمقراطية حقيقية ونزيهة

في إطار التحضير للانتخابات التشريعية لسنة 2026، قدمت فيدرالية اليسار الديمقراطي مذكرتين تفصيليتين تشكلان مرجعًا لرؤيتها الإصلاحية لمنظومة الانتخابات في المغرب. تتضمن الوثيقتان مقترحات تهدف إلى ضمان نزاهة العملية الانتخابية، وتعزيز المشاركة، ومحاربة الفساد والتدخل الإداري، بالاستناد إلى مرجعيات دستورية وحقوقية دولية. أبرز المقترحات تشمل: إحداث هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات، واعتماد الدائرة الوطنية الواحدة، والتصويت الإلكتروني للمغاربة بالخارج، والتسجيل التلقائي في اللوائح الانتخابية، وتقنين المراقبة المستقلة للعمليات الانتخابية. كما تُبرز الوثيقتان إشكالات عملية مثل تدخل الإدارة، وشراء الأصوات، وضعف الثقة في المؤسسات، مع تقديم حلول عملية لمعالجتها.

في هذا الحوار مع “مغرب تايمز”، تتحدث البرلمانية فاطمة التامني عن هذه المقترحات ورؤية الحزب للإصلاح الانتخابي كمدخل لتعزيز الديمقراطية وبناء ثقة المواطن في المنظومة السياسية.

س: مقترح “التسجيل التلقائي” يعتمد على قاعدة بيانات البطاقة الوطنية. كيف تضمنون حماية البيانات ومنع استخدامها لأغراض رقابية أو سياسية؟
ج: التسجيل التلقائي آلية لتوسيع القاعدة الناخبة ودمج الشباب والفئات المهمشة، لكنه لا يجب أن يتحول إلى كابوس للخصوصية. الحل ليس تقنيًا فقط، بل قانوني وسياسي. يجب وجود إطار قانوني صارم، شبيه بالقانون الدولي لحماية المعطيات الشخصية، مع إنشاء هيئة رقابية مستقلة تمنع أي استعمال سياسي أو أمني لتلك البيانات. الثقة تُبنى عبر ضمانات ملموسة تحول دون تحويل هذا المشروع الديمقراطي إلى أداة وصاية على إرادة المواطنين.

س: الدائرة الانتخابية الوطنية الواحدة مثيرة للجدل، خصوصًا مع التوجه العالمي نحو اللامركزية. هل الهدف فعلاً إضعاف الأحزاب المحلية لصالح الكبيرة القادرة على حملات وطنية مكلفة؟
ج: الهدف ليس إضعاف أحد، بل تصحيح اختلال عميق. النظام الحالي يكرس الزبونية والسياسة المحلية الضيقة على حساب القضايا الوطنية الكبرى. الدائرة الواحدة تمكّن الناخب من اختيار مشروعه المجتمعي، وتفتح المجال أمام كفاءات حزبية وغير حزبية قد لا تمتلك إمكانيات الحملات المحلية المكلفة والمشتتة. التمثيل الجهوي يُضمن عبر مجلس المستشارين والمؤسسات الجهوية، بينما مجلس النواب يعكس الإرادة الوطنية الشاملة.

س: فيما يخص تصويت المغاربة بالخارج، كيف يمكن ضمان نزاهة الاقتراع ومنع استغلال هذه الدوائر من جهات معادية للوحدة الترابية؟
ج: هذا تحدٍّ كبير. الحل ليس في الحرمان بل في التأمين. الهيئة المستقلة للانتخابات تشرف بالكامل على العملية، مع تعزيز وجود مكاتب الاقتراع في القنصليات والسفارات وتوسيعها، واعتماد أنظمة تصويت إلكتروني مؤمّنة، تخضع لمراجعة واختبار دوليين، مع إشراف ممثلين عن الأحزاب والجمعيات.

س: ربط جزء من التمويل العمومي للأحزاب بمعايير مثل “فعالية التنظيم النسائي” أو “عدد الأنشطة” يمنح الإدارة صلاحيات تقديرية كبيرة. ألا يجعلها جهة رقابية سياسية؟
ج: المعضلة ليست في الربط، بل في الجهة التي تحدد المعايير. المطلوب معايير موضوعية وشفافة، يُتفق عليها بين الفاعلين السياسيين، وتُدار من قبل الهيئة المستقلة للانتخابات أو جهة محايدة. يجب أن تكون المعايير كمية ونوعية واضحة، مثل نسبة تمثيل النساء أو الشفافية المالية، حتى لا تتحول إلى أداة للعقاب أو المكافأة.

س: تجريم استعمال البرامج الاجتماعية لاستمالة الناخبين قد يعرقل عمل الحكومة قبل الانتخابات. كيف تميزون بين ذلك وبين واجبها الدستوري؟
ج: الفرق بين العمل المستمر والرشوة الانتخابية واضح. من واجب الحكومة تنفيذ برامجها طوال ولايتها. تحويل هذا الواجب إلى حملة موسمية مكثفة قبل الانتخابات، تستهدف مناطق محددة، هو استغلال فاضح للمال العام. ندعو لتقنين يمنع أي إطلاق لمشاريع جديدة أو توزيع لمنافع قبل الاقتراع.

س: في مذكرتكم تطالبون بإنشاء هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات، لكن دون تحديد آليات لضمان استقلاليتها عن الدولة. كيف تتحول من شعار إلى ضمانة حقيقية؟
ج: الاستقلالية تُبنى عبر تصميم مؤسسي متين. نقترح تشكيل الهيئة من شخصيات مشهود لها بالكفاءة والنزاهة، يُنتخبون من البرلمان بأغلبية خاصة بناءً على ترشيحات المجتمع المدني والمؤسسات الدستورية والجامعات، مع ميزانية مستقلة محمية دستوريًا، وصلاحية التعاقد المباشر، وقرارات قابلة للطعن أمام القضاء الإداري فقط.

س: ما الضمانات العملية لعدم استبدال هيمنة وزارة الداخلية بهيمنة جديدة للهيئة المستقلة؟
ج: الفارق جوهري. هيمنة وزارة الداخلية إدارية وأمنية ولا تخضع لمساءلة كافية، أما الهيئة المستقلة فستخضع للمساءلة العلنية أمام البرلمان، وتنشر تقاريرها وقراراتها، وتخضع للرقابة القضائية، والمجتمع المدني والإعلام شريكان في تقييم أدائها. الهدف هو بناء مراقبة ديمقراطية ومؤسسية، وليس استبدال هيمنة بأخرى.

س: توسيع صلاحيات القضاء الإداري على حساب القضاء العادي قد يحول القضايا السياسية إلى إجراءات بيروقراطية. ما ردكم؟
ج: الهدف هو العدالة الناجزة. النزاعات الانتخابية تحتاج إلى حل سريع وحاسم لا يسمح به التقاضي العادي الطويل. القضاء الإداري بخبرته هو الأقدر على ذلك، بينما يظل للقضاء العادي دور في الجرائم الانتخابية مثل شراء الأصوات أو التزوير.

س: ربط المناخ الانتخابي بإطلاق سراح “المعتقلين السياسيين” و”معتقلي الرأي” يوحي بأن الانتخابات المقبلة تجري في مناخ غير ديمقراطي. هل هذا تفسيركم؟
ج: نعم. لا يمكن الحديث عن منافسة ديمقراطية وانتخابات نزيهة في مناخ الخوف والترهيب. وجود صحافيين ونشطاء خلف القضبان بسبب آرائهم أو مشاركتهم في احتجاجات مشروعة يبعث رسالة سلبية للمواطن. الإفراج عنهم وإطلاق الحريات الأساسية شرط مسبق لتهيئة مناخ ثقة يشجع على المشاركة الواسعة بدل المقاطعة.

س: وضع مقترحات شاملة قبل أكثر من عام على الانتخابات، هل يعكس قناعة بعدم وجود نية إصلاح لدى الحكومة، أم أنها ورقة ضغط سياسية أكثر من كونها برنامجًا قابلاً للتنفيذ؟
ج: هي ليست ورقة ضغط، بل وثيقة مسؤولية. الإصلاح يحتاج إلى وقت ونقاش عمومي جاد. بتقديم هذه المقترحات المبكرة، نضع أنفسنا أمام مسؤوليتنا كفاعل سياسي، ونعطي فرصة للحكومة والأحزاب للانخراط في حوار وطني. التجاهل دليل على غياب الجدية، والتجاوب خطوة لبناء ثقة جديدة بين الدولة والمجتمع.

من خلال هذا الحوار، تظهر فيدرالية اليسار الديمقراطي رغبة واضحة في كسر القواعد التقليدية للعبة الانتخابية، مقدمةً نفسها كحامل لمشروع إصلاحي جذري. مقترحاتها، وإن بدت طموحة، تلامس جوهر الإشكالات التي أنهكت ثقة الناخب المغربي: هيمنة الإدارة، وغياب الشفافية، واختطاف الإرادة الشعبية. التحدي الأكبر ليس تقنيًا، بل سياسي بالأساس. يبقى السؤال: هل تمتلك النخبة الحاكمة الإرادة لتبني إصلاح قد يقلب موازين القوى؟ أم أن هذه الوثيقة ستظل مجرد صرخة في وادٍ تؤكد أن الإصلاح الحقيقي يظل رهين إرادة سياسية غائبة؟ جواب 2026 سيُكتب بأصوات المغاربة، إن قرروا المشاركة في لعبة يثقون بقواعدها.

المقال التالي