آخر الأخبار

الدخول المدرسي 2025.. بين الدعاية الحكومية والاحتقان الاجتماعي

مع حلول شتنبر، عاد الدخول المدرسي ليحتل صدارة المشهد الوطني بعد أن أعلنت وزارة التربية الوطنية عن انطلاق الموسم الجديد وفق منهجية دقيقة، موزعة بين 2 و4 شتنبر بالنسبة للتلاميذ، وبشكل إجباري للأطر التربوية والإدارية ابتداء من فاتح الشهر. هذا التنظيم الذي يبدو في واجهة البلاغات الرسمية ضمانة للانضباط، يخفي في العمق أزمة أعمق بكثير، حيث ما تزال مؤسسات تعليمية تعيش على وقع نقص في التجهيزات، واحتجاجات متجددة، وأطر أعلنت برنامجاً احتجاجياً يمتد عشرين يوماً يهدد استقرار الموسم منذ بدايته.

موسم جديد.. نفس الوجوه والأعطاب

وراء هذه الصورة الرسمية، يطفو سؤال جوهري: هل يمثل الدخول المدرسي مجرد طقس سنوي يعيد إنتاج نفس المشهد المأزوم، أم أنه فرصة فعلية لإعادة النظر في منظومة تعليمية غارقة في الأعطاب؟ الوزارة تروج لمشهد هادئ ومنظم، لكن الواقع على الأرض يكشف أن البنية التحتية في عدد من القرى ما تزال غير مؤهلة، وأن الاكتظاظ والخصاص في الموارد البشرية يكرران نفس الاختلالات المزمنة.

وعود ضخمة.. بلا تمويل حقيقي

بالتوازي مع هذه العودة، تراهن الحكومة عبر مذكرة التوجهات العامة لمشروع قانون المالية 2026 على ثلاثية إصلاحية وُصفت بالطموحة: تعميم مدارس الريادة التي تستهدف ملايين التلاميذ مع تجهيز رقمي وتأهيل للأطر، توسيع مدارس الفرصة الثانية لإعادة إدماج المنقطعين عن الدراسة، وتعميم التكوين بالتناوب ليستفيد منه آلاف المتدرّبين سنوياً. هذه المشاريع تبدو على الورق كأنها قفزة نوعية في سبيل ربط التعليم بسوق الشغل، لكنها تظل رهينة بميزانيات لم تحدد بعد وبقدرة مؤسسات تعاني أصلاً من ضعف التنسيق على تنزيلها.

أقسام فارغة.. وشعارات رقمية لامعة

الإصلاحات المعلنة تثير أسئلة جوهرية: من أين سيأتي التمويل الكافي لتجهيز آلاف الأقسام بالوسائل الرقمية؟ كيف سيتم تقليص الفوارق الصارخة بين المدرسة القروية ونظيرتها الحضرية؟ وما جدوى هذه البرامج إذا ظلت متمركزة في المدن الكبرى على حساب المناطق النائية؟ دون أجوبة عملية، يظل الخطر قائماً في أن تتحول هذه الوعود إلى مجرد شعارات سياسية أكثر منها إصلاحات حقيقية تمس حياة التلاميذ والأسر.

حين يفضح الشارع حقيقة الإصلاح

الأزمة التعليمية لا يمكن فصلها عن السياق العام الذي يعيشه المغرب، حيث تتصدر الأخبار احتجاجات أمام مستشفى الحسن الثاني بأكادير بسبب سوء الخدمات، ومعاناة دواوير بلا ماء، وارتفاع العجز التجاري إلى مستويات قياسية، فضلاً عن تقارير عن فساد سياسي في التزكيات الانتخابية. هذا المشهد يوضح أن التعليم ليس سوى مرآة لاختلالات بنيوية تمس مختلف الخدمات الأساسية، ما يضعف الثقة في أي خطاب رسمي عن الإصلاح الشامل.

ما يحتاجه الإصلاح فعلاً

من خلال تتبع التجارب الدولية الناجحة، يمكن استلهام حلول عملية قابلة للتنفيذ. أولها تعزيز اللامركزية التعليمية عبر منح الأكاديميات الجهوية صلاحيات أوسع لاتخاذ القرارات المحلية التي تراعي خصوصيات كل منطقة. كما يمكن الدفع نحو شراكات استراتيجية مع القطاع الخاص من خلال نموذج تمويل هجين يجمع بين الدعم الحكومي ومساهمات الشركات، مع ضمان معايير صارمة للحفاظ على جودة التعليم العمومي. ويُعد تطوير البنية التحتية الرقمية خطوة أساسية، عبر منصة وطنية موحدة للموارد التعليمية وتوفير الأجهزة والاتصال بالإنترنت للمؤسسات في المناطق النائية. إضافة إلى ذلك، يظل التكوين المستمر للمدرسين ضرورياً، مع التركيز على المهارات الرقمية والطرائق البيداغوجية الحديثة. وأخيراً، يمكن تشجيع المدارس على تطوير مشاريع تربوية مرتبطة بحاجات محيطها المحلي، بما يعزز الاندماج المجتمعي ويساهم في التنمية.

الامتحان يبدأ من القسم لا من البلاغات

في النهاية، يظهر الدخول المدرسي لهذه السنة عند مفترق طرق حاسم: بين وعود بتحويل المدرسة إلى جسر نحو التشغيل المستقر، وواقع يومي متخم بالاحتجاجات والخصاص والتفاوتات. المواطنون لم يعودوا يقتنعون بالشعارات ولا بالبيانات الصحفية، بل ينتظرون نتائج ملموسة داخل الفصول الدراسية. وهنا يكمن الامتحان الحقيقي لمصداقية الحكومة ومدى قدرتها على جعل التعليم أداة للعدالة الاجتماعية لا مجرد ورقة في بازار الخطاب السياسي.

المقال التالي