تقرير “مغرب تايمز” يسلط الضوء على فساد التزكيات الانتخابية.. هل تغير إصلاحات انتخابات 2026 قواعد اللعبة؟

تشهد الساحة السياسية المغربية حالة من التوجس بعد أن شرعت لجان الافتحاص التابعة لوزارة الداخلية والمجالس الجهوية للحسابات في تدقيق ملفات التسيير بالمجالس الترابية، مما يهدد مستقبل عشرات البرلمانيين السياسي.
هذه العمليات، التي امتدت إلى مختلف جهات المملكة، أثارت قلقاً بالغاً في الأوساط الحزبية، حيث يخشى كثيرون أن تؤدي نتائجها إلى إقصاء شخصيات بارزة من سباق الترشيح للانتخابات المقبلة، خاصة في ظل القانون الذي لا يفصل بين العضوية البرلمانية وتسيير المجالس الترابية.
كشفت المعطيات أن هذه التدقيقات شملت برلمانيين يشرفون على جماعات ترابية في جهات الدار البيضاء-سطات، والرباط-سلا-القنيطرة، وفاس-مكناس، وطنجة-تطوان-الحسيمة، والشرق، وبني ملال-خنيفرة، ودرعة-تافيلالت، وكلميم-واد نون، والداخلة-وادي الذهب. وأعرب بعضهم عن استيائهم من وتيرة الافتحاصات، معتبرين أنهم يتحملون تبعات اختلالات تتعلق بشركات التدبير المفوض أو مؤسسات التنمية الجهوية.
وتتعاظم المخاوف من أن تقود نتائج هذه الافتحاصات إلى إحالة ملفات عديدة إلى القضاء، وما يترتب على ذلك من عزل المسؤولين المحليين وحرمانهم من الترشح. ولا يقتثر تأثير هذا السيناريو على الأفراد فحسب، بل يمتد ليهدد مصداقية المؤسسة التشريعية ككل.
تُظهر الأرقام حجم الأزمة بوضوح: خمسة عشر برلمانياً يعيشون حالياً حالة “بطالة انتخابية” بسبب ملفات قضائية عالقة، بينما جرد ثلاثة عشر آخرون من مقاعدهم بعد إدانتهم قضائياً، مما حال دون مشاركتهم في استحقاقات 2026، ويبعدهم عن انتخابات الجماعات والغرف المهنية والمستشارين في 2027.
تتقدم أربعة قضايا إلى الواجهة حالياً: قضية يونس بنسليمان عن التجمع الوطني للأحرار المتعلقة بملف “كوب 22” المعاد النظر فيه بمحكمة النقض، وقضية محمد السيمو من الحزب نفسه الذي نال البراءة من تهمة تبديد أموال عمومية في يوليوز 2025، وقضية محمد أبرشان من الاتحاد الاشتراكي الذي برئ في ماي 2025، وقضية عبد العزيز الوادكي من الاتحاد الدستوري الذي أدين استئنافياً في ملف تبديد أموال عمومية دون أن يصبح الحكم نهائياً.
وتتفاقم الصورة عند استعراض ملفات برلمانيين سابقين: سعيد الناصيري (الأصالة والمعاصرة) المعتقل منذ 2023 في ملف “إسكوبار الصحراء”، وعبد النبي بعيوي (نفس الجهة)، ومحمد بودريقة (التجمع الوطني للأحرار) المجرد من مقعده في يناير 2025 والمحكوم عليه بخمس سنوات سجناً نافذاً في يوليوز 2025، ومحمد مبديع (الحركة الشعبية) المعتقل منذ 2023 في قضية فساد جماعي، ومحمد الحيداوي (الأحرار) المدان بثمانية أشهر نافذة في قضية “تذاكر المونديال”، ومحمد كريمين (الاستقلال) المحكوم عليه بسبع سنوات نافذة في 2025 بعد تجريده في 2024، وسعيد الزيدي (التقدم والاشتراكية) المدان بسنة نافذة ومجرد في يناير 2024، وياسين الراضي (الاتحاد الدستوري) المجرد في مارس 2024 بحكم نهائي في قضية فساد عقاري.
يكشف هذا التراكم من القضايا القضائية التي تمتد عبر مختلف الأطياف الحزبية أن الأزمة لم تعد تقتصر على أفراد معزولين، بل أصبحت تشير إلى إشكاليات بنيوية في آليات منح التزكيات ومعايير اختيار المرشحين. فأحزاب يفترض أن تكون حارسة للنزاهة والديمقراطية الداخلية باتت متهمة بتمكين شبكات المال والنفوذ من الوصول إلى البرلمان على حساب الكفاءة والنزاهة.
لم يعد غياب الثقة الشعبية مرتبطاً فقط بتاريخ التزوير، بل أصبح نتاجاً لإدراك عام بأن التزكيات كثيراً ما تمنح لمن يملك المال لمن يمتلك الكفاءة. وهذا ما يجعل استعادة المصداقية التحدي الأكبر الذي يواجه المشهد السياسي اليوم.
ومع اقتراب انتخابات 2026، تبرز الحاجة الملحة إلى إصلاحات تتجاوز الجانب القانوني لتشمل مراجعة أخلاقية عميقة. فإذا كانت وزارة الداخلية تستعد لطرح قوانين جديدة قبل نهاية السنة، وإذا كان خطاب العرش في 29 يوليوز قد حدد بوضوح معالم الإصلاح، فإن النصوص ستظل شكلية ما لم ترافقها إرادة سياسية حقيقية لتنظيف الساحة من الأسماء المثقلة بملفات الفساد.
يبدو للعيان أن انتخابات 2026 ستشكل محطة مفصلية: إما أن تنجح الدولة والأحزاب في استعادة الثقة عبر إبعاد الأسماء المشبوهة وتجديد النخب، أو أن يستمر منطق التزكيات الملوثة، مما سيؤدي حتماً إلى مزيد من العزوف الشعبي وإضعاف شرعية المؤسسات. وفي كل الأحوال، فإن الرهان الأكبر يتجاوز النصوص القانونية ليشمل إعادة الاعتبار للسياسة كخدمة عمومية وليس غنيمة شخصية.
تعليقات