“7,500 مليونير” وأخنوش في الصدارة.. تقرير “الثروة الإفريقية” يفضح الهوة الاجتماعية بالمغرب

كشف تقرير “الثروة الإفريقية 2025” عن شركتي “هينلي وبارتنرز” و”نيو وورلد ويلث” أن المغرب يحتل المرتبة الثالثة قارّياً من حيث عدد الأثرياء الذين تفوق ثرواتهم مليون دولار، مسجلاً 7500 مليونير، خلف جنوب إفريقيا التي تتصدر القائمة بـ41100 مليونير، ومصر بـ14800، وذلك في نسخته الصادرة أمس. هذه الأرقام، وإن بدت في ظاهرها مؤشراً على مكانة اقتصادية صاعدة، فإنها تكشف في العمق عن مفارقة لافتة: ثروة متصاعدة لدى قِلَّة، في مقابل هشاشة اجتماعية متفاقمة لدى الأغلبية.
وأشار التقرير إلى أن خمس دول فقط تستحوذ على حصة الأسد من الثروة الإفريقية، هي: جنوب إفريقيا، ومصر، والمغرب، ونيجيريا، وكينيا. هذه الدول الخمس تحتكر مجتمعة 63% من المليونيرات و88% من المليارديرات الإفريقيين، وهو ما يعكس تركّزاً واضحاً للثروة داخل نطاق ضيق. في الحالة المغربية، لا يتعلق الأمر فقط بعدد المليونيرات، بل يتجاوزه إلى وجود 35 شخصاً تزيد ثرواتهم عن 100 مليون دولار، وأربعة مليارديرات.
وهنا يبرز اسم عزيز أخنوش، رئيس الحكومة الحالي وأحد أبرز رجال الأعمال في البلاد، والذي تصنفه مجلة “فوربس” بثروة تناهز 2 مليار دولار، ما يضعه في مقدمة المليارديرات المغاربة. ثروة راكمها عبر مجموعته “أكوا” التي تنشط في المحروقات والغاز، إضافة إلى استثمارات في قطاعات الزراعة والمالية. غير أن هذا التموقع في الصدارة يعكس بدقة مفارقة المغرب: مسؤول حكومي يملك ثروة هائلة، بينما يعيش جزء واسع من المواطنين تحت ضغط الغلاء وتدهور القدرة الشرائية.
والقطاعات التي تغذي هذه الثروات معروفة: العقار الفاخر، والقطاع المالي، والصناعات التصديرية ذات القيمة المضافة، إلى جانب الفوسفاط والطاقة والسياحة الراقية. كما ساهمت المراكز اللوجستية الكبرى مثل ميناء طنجة وما يرتبط به من مناطق صناعية في تعزيز هذا المسار. هذا التوليف بين الجغرافيا المحفزة والسياسات الاستثمارية خلق بيئة خصبة لتكوين الثروة، لكنه لم ينجح بعد في تحسين مؤشرات العيش لدى فئات واسعة من المواطنين.
غير أن تراكم الثروة في يد قلة محدودة يظل سيفاً ذا حدين. فمن جهة، يمكن أن يوفر موارد للاستثمار في مشاريع كبرى تعود بالنفع على الاقتصاد الوطني، لكنه من جهة أخرى يهدد بتوسيع الفجوة الاجتماعية إذا لم ترافقه سياسات لإعادة توزيع الثروة أو استثمارات عامة موجهة نحو الفئات الأكثر هشاشة. التجارب التاريخية أظهرت أن اتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء غالباً ما يرتبط بتوترات اجتماعية وسياسية، ما يضع الحكومات أمام تحدي الموازنة بين جذب رؤوس الأموال والحفاظ على تماسكها الاجتماعي.
التقرير لا يقدّم حلولاً جاهزة، لكنه يلمّح إلى بدائل ممكنة: ضرائب تصاعدية على المداخيل الرأسمالية، مراجعة الامتيازات في المناطق الحرة، توجيه جزء من استثمارات القطاع الخاص نحو التعليم والصحة والإسكان المتوسط، وتحسين الشفافية في الأسواق العقارية والمالية. هذه الإجراءات قد تكون ضرورية لتخفيف منسوب الفوارق ولإعطاء معنى أكثر شمولاً لمسار تراكم الثروة.
أرقام 2025 تجعل المغرب في قلب مشهد إفريقي متسارع في صعود الأثرياء، لكن القيمة الحقيقية لهذه المعطيات لن تُقاس بعدد المليونيرات ولا المليارديرات، بل بمدى قدرة الدولة والمجتمع على تحويل هذه الثروات إلى فرص حقيقية لتقليص الفجوة الاجتماعية وتعزيز العدالة الاقتصادية. فإذا بقيت الثروة حبيسة جيوب محدودة، ستتحول هذه الأرقام إلى عنوان لمفارقة أكثر عمقاً: نموّ يعلو بهامش النخبة، بينما يظل واقع الأغلبية خارج المعادلة.
تعليقات