آخر الأخبار

المحروقات في المغرب.. تقرير مجلس المنافسة يكشف فساداً مقنناً وإصلاحات شكلية

لم يعد ملف المحروقات في المغرب مجرد نقاش اقتصادي عابر، بل تحوّل إلى مرآة عاكسة لفساد هيكلي ينهك القدرة الشرائية ويكرّس الريع. تقرير مجلس المنافسة لسنة 2024 جاء ليعيد فتح هذا الملف الحارق، كاشفاً بالأرقام عن اختلالات بنيوية وغياب الشفافية، ومؤكداً أن الإصلاحات التي رُوِّج لها لم تتجاوز الطابع الشكلي.

  • تركيز مفرط وهيمنة الشركات الكبرى

التقرير يبرز أن قطاع الطاقة والمعادن استحوذ على 30,2% من عمليات التركيز الاقتصادي خلال سنة 2024، وهو رقم يعكس استمرار سيطرة شركات محدودة على حلقات الاستيراد والتخزين والتوزيع. هذا التركيز البنيوي يضعف آليات المنافسة، ويتيح ممارسات احتكارية تستفيد منها قلة على حساب السوق والمستهلك.

  • مفارقة الأسعار بين السوق الدولية والوطنية

الأرقام العالمية تُظهر أن سعر خام “برنت” استقر عند 80,7 دولار للبرميل، بينما بلغ سعر الغاز الطبيعي الأوروبي 10,96 دولار للوحدة الحرارية البريطانية. ورغم ذلك، ظل المواطن المغربي يؤدي أسعاراً مرتفعة في محطات الوقود، ما يكشف عن غياب آليات ضبط تضمن استفادة المستهلك من التراجع الدولي في كلفة الطاقة.

  • أرباح غير متوازنة وضعف الشفافية

يشدد التقرير على أن غياب تتبع صارم للكلفة والهوامش، يفتح المجال أمام الشركات الكبرى لتحقيق أرباح مفرطة عبر التحكم في سلاسل التموين والتوزيع. النتيجة: المواطن يتحمل عبء الغلاء، بينما تُراكم الشركات مكاسب ضخمة في ظل ضعف الرقابة الوطنية.

  • إصلاحات شكلية واستمرار الريع

رغم النقاش الواسع بعد فضيحة المحروقات في السنوات الماضية، فإن المجلس يؤكد أن الإصلاحات ظلت سطحية ولم تكسر احتكار الفاعلين الكبار. السوق مازال يشتغل بمنطق الريع، ولم تُفعّل أدوات زجرية كفيلة بفرض قواعد منافسة عادلة.

  • هل تحرك مجلس المنافسة؟

من خلال التقرير، يتضح أن دور المجلس انحصر أساساً في التشخيص وإصدار الآراء المرتبطة بالممارسات المنافية لقواعد السوق. لكنه لم يواكب هذه الملاحظات بخطوات عملية أو عقوبات رادعة تعيد التوازن للسوق. وهنا يطرح السؤال: ما جدوى التقارير إذا لم تتحول إلى قرارات نافذة؟

  • نحو حلول ممكنة

إذا كان تقرير 2024 قد شخّص الداء، فإن العلاج يظل رهين إرادة سياسية ومؤسساتية صلبة. الحلول الممكنة واضحة:

فرض سقف للهوامش الربحية يربط بين أسعار الشراء الدولية وأسعار البيع بالمحطات.

إرساء آلية وطنية للتتبع الفوري للأسعار تضمن الشفافية وتكشف الفوارق.

تعزيز المخزون الاستراتيجي للمحروقات بما يحد من تقلبات السوق العالمية.

تفعيل عقوبات رادعة ضد الممارسات الاحتكارية، وتوسيع صلاحيات مجلس المنافسة من الاستشارة إلى التدخل المباشر.

بهذه الخطوات فقط يمكن تحويل التقارير من وثائق مؤرشفة إلى أدوات تغيير فعلي. أما الاكتفاء بالتشخيص دون فعل، فلن يزيد إلا في تكريس الريع وترك المواطن فريسة لغول الغلاء.

المقال التالي