بعد حرائق شفشاون.. أين ذهبت 16 مليار سنتيم المخصّصة للخطة الاستباقية؟

قبل ثلاثة أشهر، أعلنت الوكالة الوطنية للمياه والغابات عن خطة استباقية وُصفت بغير المسبوقة لمواجهة حرائق الغابات، بميزانية ضخمة بلغت 16 مليون دولار، أي ما يعادل 16 مليار سنتيم. الخطة، التي كُشف عنها في ماي الماضي، رُوّج لها باعتبارها درعًا أساسياً لتفادي تكرار مشاهد الدمار التي عرفتها الغابات المغربية في صيفي 2022 و2023. غير أن عودة النيران هذا الشهر إلى مناطق واسعة بشفشاون وتطوان أعادت السؤال إلى الواجهة: أين ذهبت كل تلك الأموال؟
الوكالة، الخاضعة لوصاية وزارة الفلاحة التي يقودها أحمد البواري عن حزب الأحرار، قدّمت مشروعها على أساس أنه يعتمد أحدث الوسائل التكنولوجية، من طائرات مسيّرة وأجهزة استشعار أرضية، إلى كاميرات مدعومة بالذكاء الاصطناعي، إضافة إلى تعزيز دوريات المراقبة، واعتماد نظام إنذار مبكر وتدخل سريع، مصحوبًا بحملات تحسيسية وبيانات تحذيرية.
وفي تفاصيل أخرى، تحدثت بيانات الوكالة عن فتح وصيانة مسالك ومصدّات النار، وتهيئة نقاط التزوّد بالمياه، إلى جانب صيانة أبراج المراقبة واقتناء سيارات جديدة للتدخل الأولي. لكن الواقع الميداني، بحسب شهادات من قطاع الغابات، يكشف عن فجوة بين ما أُعلن وبين ما جرى تطبيقه فعليًا.
مصادر متطابقة أكدت أن مئات الهكتارات التهمتها النيران في ظرف ساعات قليلة، فيما غابت التكنولوجيا المعلن عنها عن المشهد، في حين واجهت فرق الإطفاء ألسنة اللهب بوسائل تقليدية. صور تداولها ناشطون أظهرت عناصر الوقاية المدنية منهكين وهم يستعملون خراطيم المياه، بينما الطائرات المسيّرة لم تُشاهد إلا في البلاغات الرسمية.
الفاعلون البيئيون أثاروا بدورهم مسألة “سوء ترتيب الأولويات”، معتبرين أن التركيز انصبّ على صفقات تجهيز مركزية، بينما ظلت المناطق الحساسة في الشمال تفتقر إلى الوسائل الميدانية. أحد المتطوعين في إخماد حريق الدردارة أكد أن الأهالي كانوا يطاردون النيران بوسائل بدائية، في وقت ظل الدعم التقني غائبًا.
ورغم تأكيد الوكالة الوطنية للمياه والغابات أن نسبة السيطرة على الحرائق هذا العام “إيجابية مقارنة بالمواسم السابقة”، إلا أن خبراء يرون أن الأرقام لا تعكس دائمًا الحقيقة على الأرض. الخبير البيئي أيوب مرير أوضح أن “16 مليار سنتيم لا تكفي إذا لم تُصرف بشكل فعّال، مع التركيز على تكوين العنصر البشري وتجهيز فرق الإطفاء محليًا، إلى جانب برامج توعية دائمة”، مشددًا على أن التكنولوجيا وحدها غير كافية لإطفاء النيران.
مصادر أخرى كشفت أن عدداً من محطات الرصد الذكي لم تدخل الخدمة بعد، وأن بعض مسالك النار المعلن عنها لم تُنجز كاملة، ما يجعل نتائج الخطة إلى حد الآن أقرب إلى وعود مؤجلة.
ومع بقاء موسم الحرائق في ذروته، يبقى هذا البرنامج أمام اختبار حقيقي، حيث سيُحكم عليه بمدى صموده أمام الواقع الميداني. لكن المؤكد أن 16 مليار سنتيم وضعت السلطات أمام امتحان الشفافية والنجاعة، في وقت يطالب فيه الرأي العام بخطط استباقية لا تنهار مع أول رياح حارة تهب من جبال الريف.
تعليقات