72 سنة على ملحمة الملك والشعب.. تلاحم تاريخي يؤطر حاضر المغرب ومستقبله

تحل في التاسع عشر من غشت 2025 الذكرى الثانية والسبعون لملحمة الملك والشعب، وهي إحدى أبرز المحطات الوطنية التي ما زالت حاضرة في وجدان المغاربة، بما تحمله من معاني التضحية والوحدة في مواجهة الاستعمار.
تعود أحداث هذه الملحمة إلى 20 غشت 1953، حين أقدمت سلطات الحماية الفرنسية على نفي الملك محمد الخامس وأسرته إلى كورسيكا، ومنها إلى مدغشقر، في محاولة لتقويض الحركة الوطنية وضرب الشرعية الدينية والسياسية للعرش العلوي.
إلا أن هذا القرار لم ينجح في تحقيق أهدافه، بل فجّر غضباً شعبياً واسعاً سرعان ما تحول إلى مقاومة منظمة. وهكذا، تكرس يوم 20 غشت في الذاكرة الوطنية باعتباره رمزاً للتلاحم الوثيق بين العرش والشعب في مواجهة الاحتلال.
منذ ذلك الحين، لم يعد الصراع مجرد مواجهة بين المستعمر والسلطة التقليدية، بل صار معركة وطنية شاملة حملت شعار الاستقلال والسيادة. فقد أدرك المغاربة أن الدفاع عن ملكهم هو دفاع عن هويتهم وكرامتهم وحقهم في تقرير مصيرهم.
السنوات التي تلت النفي شهدت تصعيداً في العمل الفدائي والمقاومة المسلحة، خصوصاً في المدن الكبرى مثل الدار البيضاء والرباط وفاس. كما تعززت شبكة التنظيمات الوطنية التي نسقت بين النضال السياسي والعمل المسلح.
وفي الوقت نفسه، لعبت القضية المغربية دوراً بارزاً في المنتديات الدولية، حيث تزايدت الضغوط على فرنسا نتيجة صمود المغاربة ومواقفهم الموحدة خلف الملك المنفي. هذا الزخم السياسي عجّل بتغيير موازين القوى.
وبالعودة المظفرة للملك محمد الخامس في 16 نونبر 1955، انطلقت مرحلة جديدة توجت بإعلان استقلال المغرب في مارس 1956. وكانت تلك العودة انتصاراً مزدوجاً: انتصار العرش الذي استعاد مكانته، وانتصار الشعب الذي حقق أمله في الحرية.
بعد مرور أكثر من سبعة عقود، تظل هذه الملحمة محطة لتجديد العهد على قيم الوحدة الوطنية، باعتبارها الضامن الأساسي لاستمرار المغرب دولة متماسكة قادرة على مواجهة مختلف التحديات.
كما أن هذه الذكرى تذكّر الأجيال الجديدة بأن استقلال المغرب لم يكن منحة، بل ثمرة كفاح طويل وتضحيات جسيمة قدّمها رجال المقاومة وأبطال الحركة الوطنية، نساءً ورجالاً، في سبيل بناء وطن حر.
وإذا كان التاريخ قد أفرز ملحمة العرش والشعب في منتصف القرن الماضي، فإن حاضر المغرب اليوم يبرز استمرار مؤسسة الحكم الملكي باعتبارها صمام أمان للاستقرار، حيث لا تزال العلاقة بين العرش والشعب أحد أعمدة الحياة السياسية.
هذه الاستمرارية تكشف أن معادلة الشرعية والوفاء لم تتغير: فكما وحّدت معركة التحرير بين العرش والشعب في مواجهة الاستعمار، فإن التحديات الراهنة، سواء اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، لا يمكن تجاوزها إلا بنفس روح التلاحم.
إن تخليد الذكرى الثانية والسبعين لملحمة الملك والشعب ليس فقط وقفة للتأمل في الماضي، بل مناسبة للتفكير في المستقبل، وتأكيد أن مشروع بناء مغرب قوي وعصري ما زال مرتبطاً بذاك التحالف التاريخي الذي أثبت فعاليته في أصعب الظروف.
- يوسف المالكي
تعليقات