آخر الأخبار

هل تنجح الداخلية في الحد من الكلاب الضالة قبل المونديال؟.. «مغرب تايمز» يجيب بالأرقام

بينما يترقب المغاربة حدث كأس العالم 2030، الذي ستنظمه المملكة بالشراكة مع إسبانيا والبرتغال، يطفو إلى السطح ملف شائك لم يُحسم بعد: الكلاب الضالة. هذه القضية، التي تتقاطع فيها أبعاد الصحة العامة والاعتبارات الإنسانية والصورة الدولية للبلاد، باتت تشغل الجمعيات الحقوقية والسلطات المحلية والرأي العام على حد سواء. ومع اقتراب موعد البطولة، يزداد الضغط على الحكومة لإيجاد حلول جذرية وسريعة، خصوصاً في ظل الانتقادات التي قد تثار حول جاهزية المغرب لاستقبال هذا الحدث العالمي.

أرقام مقلقة عن الوضع:
المعطيات الرسمية لا تبعث على التفاؤل. فقد سُجلت سنة 2024 وفاة 33 شخصاً بداء السعار، إضافة إلى أكثر من 100 ألف إصابة أو عضة سنوياً، وهو رقم مرتفع يعكس حجم الخطر الذي تمثله هذه الحيوانات على المواطنين، خاصة في المناطق الحضرية المكتظة والأحياء الشعبية. وتشير توقعات الخبراء إلى احتمال وصول أعداد الكلاب الضالة إلى ثلاثة ملايين رأس بحلول 2030 إذا لم يتم اتخاذ إجراءات أكثر صرامة وفاعلية، مما قد يضاعف من المخاطر الصحية والأمنية.

برنامج وطني بميزانية ضخمة:
منذ عام 2019، شرعت وزارة الداخلية في تنفيذ برنامج وطني يعتمد على مبدأ الالتقاط والتعقيم والتلقيح، ثم الإطلاق مجدداً، كخيار بديل عن الإبادة الجماعية للحيوانات. وقد رُصد لهذا البرنامج تمويل يفوق 70 مليون درهم على مدى خمس سنوات، منها 34 مليون درهم خُصصت سنة 2023 لبناء محاجز جماعية وإقليمية في عدد من المدن. وتخطط الوزارة لضخ 214 مليون درهم إضافية بحلول 2028 لتعزيز هذا النهج، وفق ما يفرضه القانون 28.07 المتعلق بالرفق بالحيوان، والقانون 113.14 الذي يحدد صلاحيات الجماعات الترابية في مجالات الصحة والسلامة العامة.

الرفق بالحيوان بين المبادئ والانتقادات:
الجمعيات الحقوقية، وفي مقدمتها “بريجيت باردو”، ترفض نهج القتل الجماعي وتعتبره مخالفاً للمواثيق الدولية وللأعراف الإنسانية. هذه الجمعيات تدعو إلى تبني حلول مستدامة تقوم على توسيع برامج التعقيم والتلقيح وإنشاء ملاجئ عصرية تستجيب للمعايير الصحية. كما تحذر من أن الإبادة تخلق فراغاً بيئياً يسمح بتكاثر أسرع للكلاب، ما يجعل الحلول القمعية قصيرة المدى وغير فعّالة على المدى الطويل.

انقسام في الشارع المغربي
على مواقع التواصل: الاجتماعي، يعبّر كثير من المواطنين عن مواقف متباينة. فبينما يرى البعض أن من واجب الدولة توفير برامج تلقيح وإخصاب للكلاب الضالة وتخصيص مرافق خاصة بها، يعتبر آخرون أن الأولوية يجب أن تكون لحماية الأطفال والمارة من الخطر، داعين إلى التخلص الفوري من هذه الحيوانات. هذا الانقسام يعكس فجوة واسعة بين المطالب الحقوقية والحاجات الأمنية، ويبرز صعوبة إيجاد أرضية وسطى ترضي جميع الأطراف.

دروس من تجارب دولية:
التجارب العالمية تقدم نماذج متباينة في التعامل مع الظاهرة. فتركيا، على سبيل المثال، تمسكت لسنوات ببرنامج التعقيم والإطلاق، ونجحت في خفض أعداد الكلاب الضالة بنسبة 45%، لكنها لا تزال تواجه ضغوطاً بعد تزايد حوادث العض. أما الهند، فقد اعتمدت الخطة نفسها بتمويل محدود، ما جعل نسبة الخفض لا تتجاوز 20%. وفي رومانيا، لجأت السلطات سنة 2013 إلى القتل الرحيم بعد حادث مأساوي أثار الرأي العام، قبل أن تعيد صياغة قوانينها لاعتماد مزيج من الحلول الوقائية والعلاجية.

أرقام تكشف حجم التحدي:
تشير البيانات الوطنية إلى أن عدد الكلاب الضالة ارتفع من 1.6 مليون عام 2018 إلى 2.6 مليون حالياً، بزيادة سنوية تفوق قدرة برامج التعقيم الحالية على السيطرة. ورغم أهمية التمويل المخصص، إلا أنه لا يغطي سوى جزء من الحاجيات الميدانية، خاصة في المدن الكبرى والمناطق السياحية التي تشهد كثافة سكانية وزيارات سياحية مرتفعة، ما يضاعف الحاجة إلى إجراءات أكثر شمولية وفعالية.

المغرب في مرآة المقارنة:
عند مقارنة الأرقام، يتبين أن المغرب حقق خفضاً بنسبة 30% في الظاهرة، وهو معدل أقل من تركيا التي وصلت إلى 45%، وأعلى من الهند التي لم تتجاوز 20%. ويعزو الخبراء هذا الفارق إلى ضعف الرقابة الميدانية، ونقص التنسيق بين الجماعات المحلية، إضافة إلى محدودية الموارد الموجهة لمتابعة تنفيذ البرامج على أرض الواقع.

تأثير مباشر على صورة البلاد:
تتجاوز هذه القضية حدود الصحة العامة، لتصبح مسألة مرتبطة بالصورة الدولية للمغرب، خاصة وأن العالم سيسلط الأضواء على استعداداته لاستضافة كأس العالم. فالتعامل مع هذه الظاهرة بطريقة غير منظمة أو غير إنسانية قد ينعكس سلباً على سمعة البلاد في المحافل الدولية، ويفتح الباب أمام انتقادات المنظمات الحقوقية العالمية.

توصيات لتجنب الإخفاق:
يرى الخبراء أن الحلول الفعالة تكمن في مضاعفة عمليات التعقيم والتلقيح، وتطبيق آليات تمويل ملزمة على الجماعات الترابية، إلى جانب وضع نظام مراقبة وتقييم شفاف لقياس التقدم المحرز. كما يؤكدون على ضرورة تسريع وتيرة التدخلات الميدانية، حتى لا يتحول هذا الملف إلى نقطة ضعف قبيل انطلاق صافرة المونديال، خاصة وأن الزمن المتبقي قصير والمخاطر في تزايد مستمر.

المقال التالي