آخر الأخبار

“14غشت” ذكرى استرجاع وادي الذهب.. عهد متجدد بين العرش والأقاليم الجنوبية

في الرابع عشر من غشت من كل عام، يقف المغاربة وقفة وفاء واستذكار لذكرى استرجاع أقاليم وادي الذهب، المحطة التي رسخت في ذاكرة الأمة كإحدى أبرز لحظات استكمال الوحدة الترابية، وجسدت الارتباط العميق بين العرش العلوي وسكان الجنوب. ففي هذا التاريخ من سنة 1979، احتضنت الرباط حفل بيعة مؤثر، جدد فيه شيوخ وأعيان قبائل وادي الذهب ولاءهم للوطن، مؤكدين انتماءهم للمغرب، في خطوة شكلت دليلاً قاطعاً على وحدة الأرض والشعب وإرادة التحرر من الاستعمار.

لكن رمزية الحدث تجاوزت بعدها التاريخي والسياسي، لتصبح بداية مسار تنموي شامل في هذه الربوع، ترجمة لرؤية ملكية تروم تحقيق العدالة المجالية ورفع مستوى المعيشة. فخلال العقود اللاحقة، تحولت الداخلة وباقي أقاليم وادي الذهب إلى قطب اقتصادي صاعد على الصعيدين الوطني والإفريقي، بفضل مشاريع استراتيجية متكاملة.

في مقدمة هذه الأوراش الكبرى، يبرز ميناء الداخلة الأطلسي، الذي يجري تشييده باستثمارات تفوق 12 مليار درهم، ليشكل منصة للتجارة البحرية تربط المغرب بعمقه الإفريقي. كما برزت مشاريع الطاقة المتجددة، من مزارع ريحية وشمسية، لتلبية الحاجيات المحلية وتصدير الفائض، في انسجام مع أهداف الاقتصاد الأخضر.

الصيد البحري كان ولا يزال من ركائز التنمية المحلية، حيث تم إنشاء وحدات صناعية متخصصة في تثمين المنتجات البحرية وتصديرها، ما وفر آلاف فرص العمل. كما عرفت البنية التحتية قفزة نوعية، خاصة مع مشروع الطريق السريع تيزنيت–الداخلة، الذي يعزز الربط بين الشمال والجنوب.

أما القطاع السياحي، فقد وجد في المؤهلات الطبيعية للمنطقة قاعدة لانطلاقة قوية نحو السياحة البيئية والبحرية، مع مشاريع للإيواء، وتطوير الرياضات المائية، وإحداث محميات طبيعية تجذب الزوار.

المبادرة الوطنية للتنمية البشرية أضحت بدورها رافعة أساسية لتحسين ظروف العيش، من خلال دعم التعليم ومحاربة الهدر المدرسي عبر النقل المدرسي وبناء الداخليات، إضافة إلى دعم النساء والشباب بمشاريع مدرة للدخل وتشجيع التعاونيات والمقاولات الصغرى.

وفي القرى والمناطق النائية، ساهمت البرامج التنموية في إيصال الماء والكهرباء، وتأهيل السكن، وإحداث مراكز صحية للقرب، إلى جانب مؤسسات للرعاية الاجتماعية، مثل دور العجزة والمراكز المخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة، فضلاً عن توفير خدمات طبية متنقلة.

اليوم، يشكل وادي الذهب نموذجاً للتكامل بين الوحدة الوطنية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وأرضية لإطلاق مشاريع أكثر طموحاً في مجالات الابتكار والطاقة النظيفة والتنمية المستدامة. إنها منطقة تمضي بخطى ثابتة لتكون قاطرة تنموية نحو إفريقيا، وواجهة للانفتاح على المستقبل.

إن ذكرى 14 غشت تظل لحظة فخر واعتزاز، نستحضر فيها أمجاد التحرير، ونحتفي بما تحقق من منجزات، في ظل قيادة جلالة الملك محمد السادس، وتحت الشعار الخالد: “الله، الوطن، الملك”، لتبقى مصدر إلهام للأجيال الصاعدة لمواصلة مسيرة البناء والعطاء.

المقال التالي