بعد قرار المحكمة الدستورية .. “مغرب تايمز” في حوار مع الرميد: المحكمة الدستورية تؤسس لتوازن جديد بين المؤسسات

في تطور قانوني لافت، أعلنت المحكمة الدستورية يوم الأربعاء 6 غشت 2025 عن إلغاء عدد من المقتضيات القانونية الواردة في قانون المسطرة المدنية، بعد أن خلصت إلى عدم دستوريتها. وقد وصف وزير العدل الحالي، عبد اللطيف وهبي، هذا القرار بأنه “محطة مهمة في مسار بناء دولة القانون وتعزيز مبادئ العدالة والديمقراطية”.
وقد شملت المقتضيات الملغاة المادة 17، التي كانت تمنح النيابة العامة صلاحية الطعن في الأحكام النهائية دون أي أجل زمني، وهو ما اعتبرته المحكمة انتهاكًا لمبدأ الأمن القضائي. كما ألغى القرار موادًا أخرى تتعلق بإجراءات التبليغ، مؤكدة على ضرورة وضوح ودقة النصوص القانونية.
وفي هذا السياق، أجرى موقع مغرب تايمز حوارًا مع وزير العدل السابق والمحامي البارز، الأستاذ مصطفى الرميد، للوقوف عند أبعاد القرار وتداعياته القانونية والدستورية.
-مغرب تايمز: اطلعتم بلا شك على قرار المحكمة الدستورية الصادر يوم 6 غشت والمتعلق بقانون المسطرة المدنية. كيف تُقيّمون هذا القرار؟
مصطفى الرميد: هذا القرار يبرز بوضوح الدور التحكيمي المحوري الذي تضطلع به المحكمة الدستورية في تحقيق التوازن بين المؤسسات، وكذلك بين مختلف الفاعلين السياسيين. إنه ليس مجرد مقرر قضائي، بل تأكيد على أن المحكمة الدستورية تمارس وظيفة جوهرية تتجاوز الرقابة، لتكون فاعلًا رئيسيًا في ترسيخ أسس دولة الحق والقانون.
-مغرب تايمز: وماذا عن قانون المسطرة الجنائية؟ هل ترون أنه بحاجة أيضًا إلى عرض على المحكمة الدستورية؟
الرميد: بالتأكيد، فقانون المسطرة الجنائية أكثر التصاقًا بالحقوق والحريات مقارنة بقانون المسطرة المدنية، وكان من الأجدر أن يُخضع بدوره للفحص الدستوري. هناك عدد من المقتضيات التي لا تزال مثار جدل ونقاش داخل الأوساط الحقوقية والقانونية، ولا يمكن تجاهل تأثيرها على ضمانات المحاكمة العادلة.
-مغرب تايمز: تطرقتم سابقًا إلى مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالدفع بعدم الدستورية. ما تقييمكم لتأخر صدوره؟
الرميد: هذا التأخير غير مبرر إطلاقًا. نحن نتحدث عن آخر قانون تنظيمي لم يتم اعتماده بعد، رغم أنه منصوص عليه بوضوح في الدستور. هذا التعطيل يُعيق تفعيل آلية أساسية تمكن المواطنين من الطعن في دستورية أي نص قانوني يُحتمل أن يمس بحقوقهم، ويؤجل ممارسة إحدى أهم الضمانات الدستورية في النظام القضائي.
-مغرب تايمز: وما مدى أهمية هذا القانون بالنسبة للمواطنين؟
الرميد: صدور هذا القانون سيمكّن كل شخص يواجه إجراءً قضائيًا مستندًا إلى نص قانوني يعتقد أنه مخالف للدستور، من الدفع بعدم دستوريته أمام المحكمة الدستورية. وسيكون ذلك تطورا نوعيا في مسار تكريس الحقوق والحريات، ويعزز الرقابة الدستورية المجتمعية، إلى جانب الرقابة المؤسساتية.
-مغرب تايمز: هل تعتقدون أن التأخير في إصدار هذا النص يُخلّ بجوهر دولة القانون؟
الرميد: نعم، بكل تأكيد. تأخير إصدار هذا القانون التنظيمي هو في الواقع تعطيل لتطبيق مقتضى دستوري واضح، وإضعاف لمبدأ أساسي من مبادئ سيادة القانون. كما أنه يُكرس حالة من عدم اليقين التشريعي، مما ينعكس سلبًا على ثقة المواطن في المنظومة القانونية والمؤسساتية.
يشكل قرار المحكمة الدستورية بإلغاء بعض مقتضيات قانون المسطرة المدنية خطوةً مهمة نحو تعزيز دولة القانون وضمان الأمن القضائي، خاصة بعد إبطال مواد منحت النيابة العامة صلاحيات مطلقة في الطعن دون حدود زمنية. ومع أهمية هذا القرار في ترسيخ مبادئ العدالة والديمقراطية، فإنه يسلط الضوء كذلك على اختلالات تشريعية قائمة، أبرزها التأخير غير المبرر في اعتماد القانون التنظيمي المتعلق بالدفع بعدم الدستورية، الذي يُعد آلية دستورية حيوية لتمكين المواطنين من الدفاع عن حقوقهم.
إن هذا التطور يعكس الحاجة الملحة إلى تسريع وتيرة إصلاح المنظومة التشريعية، وضمان انسجام القوانين مع مقتضيات الدستور، بما يعزز ثقة المواطنين في القضاء، ويصون مبدأ سيادة القانون من أي تراجع أو تعطيل غير مبرر.
-بقلم يوسف المالكي
تعليقات