تحرير مغاربة في مالي يفتح النقاش حول أمن الطرق والمعابر في منطقة الساحل الافريقي

بعد تحرير أربعة سائقين مغاربة أول أمس في مالي، اثر تعرضهم للاختطاف من طرف جماعة ارهابية منذ بداية السنة، أثناء نقلهم لمعدات كهربائية من مدينة الدار البيضاء نحو العاصمة النيجرية نيامي، يعود ملف الاختطافات بمنطقة الساحل إلى الواجهة، ويطرح مجددًا تساؤلات مقلقة حول طبيعة هذه العمليات وأهدافها، خاصة في ظل تصاعد نفوذ الجماعات الجهادية المسلحة التي باتت تستهدف المدنيين والعاملين في القطاعات الاقتصادية الحيوية.
عملية الاختطاف التي استهدفت السائقين المغاربة، والتي جرت أثناء عبورهم من بوركينا فاسو إلى النيجر دون مرافقة أمنية، تسلط الضوء على هشاشة الوضع الأمني في المنطقة، وتكشف عن تحول واضح في أساليب الجماعات المتطرفة، التي لم تعد تركز فقط على الرهائن الغربيين، بل وسعت أهدافها لتشمل المواطنين من جنسيات أخرى، خاصة أولئك المنخرطين في أنشطة اقتصادية مرتبطة بالبنية التحتية أو التجارة العابرة للحدود.
الجماعات الجهادية النشطة في منطقة الساحل، وعلى رأسها تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، باتت تعتمد على عمليات الاختطاف كوسيلة للتمويل، وفي الوقت ذاته كأداة ضغط سياسي وأمني ضد الدول المعنية؛ وتفيد تقارير عديدة بأن هذه التنظيمات تنظر إلى المدنيين العاملين على خطوط النقل أو في مشاريع البنية التحتية كأهداف مشروعة، ما يجعل حركة السلع والخدمات محفوفة بالمخاطر، ويهدد استقرار الأنشطة الاقتصادية في المنطقة بأكملها.
في حالة السائقين المغاربة، تؤكد المعطيات أن المنطقة التي تم فيها الاختطاف، بين مدينتي دوري وتيرا، تشهد منذ فترة طويلة نشاطًا مكثفًا لجماعات مسلحة، وقد سبق أن حذرت السلطات الأمنية في المنطقة من السفر عبر هذه الطرق دون حماية. ومع ذلك، ونتيجة الثقة أو رغبة في تسريع عمليات النقل، فضل السائقون المغاربة السفر بمفردهم، وهو ما جعلهم عرضة سهلة للخطف.
اللافت في هذه العملية ليس فقط استهداف مواطنين مغاربة، بل السياق العام الذي تجري فيه مثل هذه العمليات، حيث أصبح واضحًا أن الجماعات المسلحة تعتبر كل نشاط اقتصادي أو استثماري في المنطقة فرصة لتحقيق مكاسب سواء عبر الفدية أو عبر فرض النفوذ والسيطرة الميدانية؛ وقد سبق أن سجلت حالات مماثلة استهدفت عمالًا صينيين في النيجر، ممن يشتغلون على امتداد خط أنبوب النفط الرابط بين آغاديم وميناء سيمي في بنين.
ما جرى مع السائقين المغاربة يعيد إلى الواجهة أهمية تعزيز التعاون الأمني والدبلوماسي بين المغرب ودول الساحل، ليس فقط لحماية مواطنيه، بل أيضًا لضمان استمرار الروابط التجارية والاقتصادية في جو من الأمان. كما أن الحادث يوجه إنذارًا واضحًا بضرورة اتخاذ مزيد من الاحتياطات الأمنية في التعامل مع المناطق المصنفة عالية الخطورة، وعدم التهاون في توفير الحماية للعمال والسائقين الذين يتحركون في هذه الجغرافيا المعقدة.
تعليقات