آخر الأخبار

بعد تكليف وزير الداخلية بالإشراف على الانتخابات.. هل بدأ العد العكسي لنهاية عهد أخنوش؟

في خطاب عيد العرش لسنة 2025، وجّه الملك محمد السادس رسائل سياسية دقيقة ومشفرة، لكن بالغة الدلالة، لم تمر مرور الكرام على المتتبعين للشأن العام. من بين أبرز هذه الرسائل، تكليف وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، وليس رئيس الحكومة عزيز أخنوش، بالإشراف على التحضير للاستحقاقات الانتخابية المقبلة؛ خطوة غير مسبوقة في السياق الدستوري والسياسي المغربي، وتحمل في طياتها أكثر من إشارة حول موقع ومصير رئيس الحكومة الحالي.

لفهم دلالات هذا القرار الملكي، لا بد من العودة إلى السوابق السياسية، حيث درجت العادة، منذ إقرار دستور 2011، على أن يتولى رئيس الحكومة الإشراف السياسي على التحضيرات الانتخابية. ففي سنة 2016، ترأس عبد الإله بنكيران، بصفته رئيسا للحكومة، أول اجتماع تحضيري للاستحقاقات التشريعية آنذاك؛ وفي سنة 2021، قام خلفه سعد الدين العثماني بنفس الدور. أما اليوم، في عهد عزيز أخنوش، فإن القاعدة تغيّرت، والعرف تم خرقه بشكل معلن ورسمي، عبر تكليف وزير الداخلية دون غيره، وبتزكية ملكية مباشرة.

هذا القرار الاستثنائي يفتح الباب لتساؤلات مشروعة حول موقع أخنوش داخل المنظومة السياسية الحالية، خاصة بعد فشل حكومته في الوفاء بالوعود الكبرى التي جاءت بها، وعلى رأسها تنزيل مقومات “الدولة الاجتماعية”، التي جعلها الملك محمد السادس أولويته الأولى منذ سنوات؛ فبدل تحقيق هذا الرهان، عانى المغاربة من تدهور القدرة الشرائية، وارتفاع غير مسبوق في أسعار المواد الأساسية، إلى جانب تعثر إصلاحات التعليم والصحة والتشغيل، وهي القطاعات التي تمثل جوهر المشروع الاجتماعي الملكي.

كما أن الأداء السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يقوده أخنوش، لم يرق إلى مستوى اللحظة الوطنية؛ فقد بدا الحزب، في أكثر من مناسبة، منشغلا بحسابات انتخابوية ضيقة، بدل التركيز على تحسين المعيش اليومي للمواطنين، مما عمّق فجوة الثقة بين الحكومة والمجتمع.

وهنا تطرح أسئلة ثقيلة: هل تم سحب الثقة السياسية من أخنوش، ولو ضمنيا، من طرف المؤسسة الملكية؟ هل دخلت البلاد مرحلة انتقالية ناعمة نحو قيادة جديدة؟ وهل يكون تكليف لفتيت بالإشراف على الانتخابات مقدمة لترتيبات ما بعد 2026؟

أسئلة قد تبقى معلقة، لكن المؤكد أن خطاب العرش الأخير أعلن نهاية مرحلة وبداية أخرى، لا مكان فيها للضعف ولا للارتباك السياسي؛ فالإشراف على الانتخابات ليس مجرد إجراء إداري، بل رسالة بليغة حول من يحظى بثقة القصر، ومن لا يزال يمتلك مفاتيح المستقبل السياسي.

إن التاريخ السياسي المغربي الحديث يؤكد أن التغيير غالبا ما يبدأ بإشارات، ثم يتبلور عبر قرارات تدريجية، قبل أن يُحسم بشكل قاطع؛ وقد يكون خطاب عيد العرش الأخير إحدى تلك اللحظات الفاصلة في مسار الحكم والسياسة في المغرب.

المقال التالي