اختطاف وتعذيب مغربيين ببلغاريا.. جرس إنذار جديد لحكومة أخنوش

في منتصف دجنبر من السنة الماضية، تعرّض مواطنان مغربيان، رجل وامرأة، للاختطاف والتعذيب على يد شبكة إجرامية تنشط في بلغاريا، بعد أن دخلا البلاد بطريقة غير نظامية في إطار محاولة للوصول إلى أوروبا الغربية عبر “طريق البلقان”؛ تفاصيل هذه القضية، التي فجّرتها وزارة الداخلية البلغارية، كشفت عن الجانب المظلم الذي يترصّد بالمهاجرين السريين، خصوصًا القادمين من دول الجنوب.
الشبكة التي تم تفكيكها نهاية ماي الماضي، كانت تستهدف مهاجرين غير نظاميين من جنسيات متعددة، وتحتجزهم تحت التهديد في أماكن مهجورة، بغرض ابتزاز عائلاتهم. الضحيتان المغربيتان، اللذان كانا يقيمان بمركز للاستقبال في مدينة هارمانلي، تم اختطافهما واحتجازهما قسرًا لمدة 12 يومًا، حيث تعرضا لشتى أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، كما تم تصويرهما في أوضاع مهينة لإرسال المقاطع إلى عائلتيهما بالمغرب ومطالبة الأخيرة بمبالغ مالية مقابل إطلاق سراحهما.
المشتبه فيهما الرئيسيان في القضية هما شقيقان من أصل سوري، تم توقيفهما مؤخرا وإحالتهما على المحكمة بموجب تهم ثقيلة، من بينها الاختطاف، الاحتجاز القسري، الاغتصاب والابتزاز، وهي تهم يُعاقب عليها القانون البلغاري بعقوبات سجنية قد تصل إلى عشرين سنة، خاصة في حال اقترانها بظروف مشددة كالعنف أو تكرار الجريمة.
وتُسلّط هذه الواقعة المروعة الضوء على واقع الهجرة السرية من المغرب، والتي أصبحت في السنوات الأخيرة ظاهرة متزايدة تشمل مختلف الفئات، من شباب عاطلين عن العمل إلى نساء وأسر بأكملها؛ ومع تغير مسارات الهجرة التقليدية نحو أوروبا، أصبحت “طريق البلقان” أحد المسالك الخطيرة التي يسلكها المهاجرون المغاربة، رغم ما تنطوي عليه من تهديدات أمنية وصحية وقانونية، في ظل غياب أي حماية فعلية خلال العبور.
ورغم الجهود التي تبذلها الدولة المغربية في مواجهة شبكات الاتجار بالبشر، فإن تصاعد وتيرة الهجرة غير النظامية يطرح تساؤلات حول مدى فعالية السياسات العمومية في مجالات التشغيل والتنمية الاجتماعية، خصوصًا في القرى والمناطق المهمشة؛ فالكثير من هؤلاء المهاجرين يرون في “الحرگة” خيارًا اضطراريًا للهروب من واقع يشعرون فيه بالخذلان أكثر مما يشعرون بالانتماء.
حكومة عزيز أخنوش، التي رفعت منذ توليها شعار “الدولة الاجتماعية”، ما تزال تواجه تحديات كبيرة في إقناع فئة واسعة من الشباب المغربي بجدوى البقاء والمراهنة على المستقبل داخل الوطن؛ صحيح أن هناك برامج دعم وتمويل ومبادرات تشغيل، لكن غياب تأثير ملموس لهذه الإجراءات في حياة الفئات الهشة جعل الكثيرين يفقدون الثقة ويختارون الطريق الأصعب، حتى وإن كان ذلك يعني المرور عبر الغابات والمجهول.
ما حدث في بلغاريا ليس حالة معزولة، بل جزء من مشهد أكبر، يتطلب معالجة جذرية تتجاوز الحلول الأمنية إلى إصلاحات هيكلية تضمن الكرامة وتعيد الأمل؛ فالهجرة ليست فقط فرارًا من الجغرافيا، بل تعبير صارخ عن انسداد الأفق الداخلي، وعن حاجة ملحّة لإعادة رسم علاقة المواطن بالدولة على أساس الحقوق لا فقط التزامات الحدود.
تعليقات