آخر الأخبار

تارودانت في زمن وهبي.. تاريخ يذبل وسط صراخ السياسة

تزهو تارودانت، المدينة التي تنتمي لعمق التاريخ المغربي، كواحدة من أقدم الحواضر في البلاد؛ عمرها طويل كظل نخلةٍ في عزّ شمس الجنوب، وشهادتها حية في أسوارها العتيقة التي تحيط بها كخاتمٍ يحفظ جوهرة منسية؛ هناك في حضن سوس، بُنيت المدينة لتكون عاصمة، فكانت كذلك في زمن السعديين، واحتضنت العلماء والفقهاء والشعراء، حتى صارت تُلقب بـ”أم العلوم”؛ في زواياها وكتاتيبها، وُلدت أسماء لامعة، وكان أهلها منذ القدم يفتخرون بأنهم من أهل العلم والأدب والذوق الرفيع، يكتبون القصيدة، ويفكون رموز الفقه، ويقيمون الحجة بالحكمة لا بالضجيج.

لكن المدينة التي ولدت تحت شمس التاريخ، تنام اليوم في ظل النسيان؛ فرغم ما تحمله من رمزية ثقافية وتراثية، فإن تارودانت تعيش واقعا قاسيا من التهميش، وكأن ماضيها العريق أصبح عبئا في زمن التسيير العشوائي؛ لا مشاريع تنموية تحيي الاقتصاد، ولا استثمارات تستوعب الشباب الذين تآكلهم الانتظارية والبطالة؛ أما السياحة، التي كانت إلى وقت قريب من أهم مداخل المدينة، فقد بدأت تذبل مع تآكل المآثر، وعدم ترميم الأماكن التي كانت تجذب الزوار من كل حدب وصوب. الشوارع القديمة فقدت رونقها، والأسوار التاريخية بدأت تئن من كثرة الإهمال.

في قلب هذا المشهد، يُطرح اسم عبد اللطيف وهبي، رئيس المجلس الجماعي للمدينة، كأحد المسؤولين عن هذا التراجع؛ فمنذ انتخابه، لم يظهر للمدينة أثر في خططه ولا حضوره. يدير الجماعة عن بعد، كما لو أن تارودانت ليست سوى توقيع إداري في قائمة مهامه المزدحمة؛ حضر دورة انتخابه، ودورة أخرى عابرة، ثم غاب. تارودانت لا تحظى منه لا بالاهتمام ولا بالمتابعة، وهو منشغل بحواراته الوطنية المثيرة للجدل، وتوجيه إنذاراته للصحفيين، عوض أن يرد الاعتبار لمدينة تقادمت في العظمة وتاهت في الحاضر.

وبينما تنهار السياحة وتتآكل البنية التحتية، يتداول المواطنون أخبار “الموظفين الأشباح” في الجماعة، وأسماءً تتقاضى أجورا دون أي وجود فعلي، مما يعمق الإحساس بأن المال العام يُهدر، وأن المدينة تُستنزف ببطء؛ المستشارون يتحدثون عن غياب التواصل، وتدبير بلا بوصلة، حيث لا تنمية تتحقق، ولا همّ يُقضى.

تارودانت التي كانت ذات يوم موئلا للعلماء، تعيش اليوم على هامش الاهتمام، كأنها صفحة مطوية من كتاب المغرب؛ وفي صمتها، لا تزال تنتظر من يُعيدها إلى الواجهة، لا بوعود منمقة، بل بإرادة حقيقية تعيد للمدينة قيمتها ومكانتها التي لا تليق بها غير الصدارة.

المقال التالي