شقير لـ”مغرب تايمز”: البرلمان يشرّع بنصف حضور ويتناسى روح الديمقراطية

رغم أهمية القوانين المدرجة في جدول أعماله، شهد مجلس النواب أمس، حضوراً محدوداً لم يتجاوز 62 نائباً من أصل 395، خلال جلسة تشريعية اعتُبرت مفصلية لمناقشة قضايا من بينها تعديل المسطرة الجنائية وتنظيم المجلس الوطني للصحافة. مشهد القاعة شبه الفارغة، الذي يتكرر في محطات مماثلة، بات يثير تساؤلات جدية حول مدى التزام النواب بمسؤولياتهم التمثيلية، في وقت تتزايد فيه الفجوة بين المؤسسة التشريعية وانتظارات الرأي العام.
القوانين واضحة، والنصوص الداخلية تُلزم النواب بالحضور وتقر إجراءات زجرية في حال الغياب المتكرر، من قبيل التوبيخ والاقتطاع من التعويضات، إلا أن هذه المقتضيات تبقى، في الغالب، غير مفعلة. المادة 165 من النظام الداخلي لمجلس النواب تمثل نموذجاً لهذا الفراغ بين النص والتطبيق، حيث تُحترم من حيث الشكل وتُهمل من حيث الأثر، ما يجعل الالتزام البرلماني أقرب إلى التوصية منه إلى الواجب المؤسسي.
تكرار هذا السلوك لا يعكس فقط ضعف الانضباط داخل المؤسسة، بل يهدد صورة البرلمان كمؤسسة تمثيلية يُفترض أن تعبّر عن انشغالات المواطنين وتناقش القوانين ذات التأثير المباشر على حياتهم. فحين تغيب الأجسام التي منحتها صناديق الاقتراع شرعيتها، تتآكل الثقة، ويُطرح السؤال حول جدوى العملية الانتخابية برمتها.
في هذا السياق، اعتبر الدكتور محمد شقير، الباحث في العلوم السياسية، في تصريح خصّ به “مغرب تايمز”، أن الديمقراطية التمثيلية تقوم على انتخاب المواطنين لمن يمثلهم في مناقشة القوانين التي تنظم حياتهم العامة. وهو ما يقتضي، بحسبه، حضوراً دائماً وفعّالاً من النواب، سواء من الأغلبية أو المعارضة، مع الالتزام بنصوص النظام الداخلي التي تنص بدورها على إجراءات تأديبية للنواب المتغيبين.
لكن الباحث ذاته يلفت إلى مفارقة لافتة، تتمثل في أن عدداً من القوانين المهمة تتم المصادقة عليها، رغم غياب ملحوظ، بأغلبية عددية كافية من الحاضرين، مثل قوانين المالية أو مدونة الشغل أو قانون الإضراب. وهو ما لا يُعد خرقاً للديمقراطية التمثيلية بالمعنى القانوني، لكنه يتنافى، في تقديره، مع “روحها”، نظراً لما يكشفه من تقاعس وتهاون في أداء المهام التمثيلية.
المفارقة، إذن، أن النظام يتيح تمرير القوانين بأغلبية عددية بسيطة، في حين أن الرهان الحقيقي يكمن في جودة الحضور والتفاعل داخل المؤسسة. فالتمثيل النيابي لا يُقاس فقط بالعدد، بل بالجدية، والقدرة على نقل هموم الناخبين ومساءلة السياسات الحكومية بشكل فعلي.
ويبدو أن أزمة البرلمان المغربي لم تعد مرتبطة بالانقسام الحزبي أو ضعف الكفاءة فحسب، بل بأزمة أعمق تتعلق بالانضباط السياسي والوعي بوظيفة المؤسسة التمثيلية. ومع توالي جلسات الحضور الرمزي، قد يكون من الضروري التفكير في آليات قانونية جديدة تعيد الاعتبار إلى الحضور النيابي كمبدأ وليس خياراً ظرفياً.
يوسف المالكي
تعليقات