آخر الأخبار

من يمثل من؟ النواب يغيبون… والقوانين تمرّ في صمتٍ تام!

في مشهد أصبح أقرب إلى “الاعتياد المؤلم”، شهدت قبة البرلمان الأمس، حضوراً باهتاً خلال جلسة تشريعية وُصفت بالحاسمة، حيث لم يتجاوز عدد النواب الحاضرين 62 من أصل 395. ورغم أن جدول الأعمال تضمّن مناقشة قوانين مصيرية، من بينها تعديل المسطرة الجنائية وإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، بدا أن “الحدث الأهم” هو الغياب نفسه.

هذا “الغياب الجماعي المنظّم”، الذي تحوّل إلى عادة موسمية، يطرح سؤالاً وجودياً: هل البرلمان المغربي مؤسسة تمثيلية أم مجرد ديكور مؤسسي؟ فرغم وجود عقوبات في النظام الداخلي، تشمل التوبيخ والاقتطاع من التعويضات، إلا أن هذه الإجراءات نادراً ما تُطبَّق. علماً أن المادة 69 من الدستور تُقرّ بأن النظام الداخلي للبرلمان ملزم ويُعرض على المحكمة الدستورية قبل تنفيذه.

لكن القانون موجود، والنوايا مُعلنة… غير أن الإرادة غائبة. والمادة 165 من النظام الداخلي لمجلس النواب، التي تُلزم بالحضور وتُقر عقوبات، تظل “نصاً محترماً من حيث الشكل، ميتاً من حيث التطبيق”.

المفارقة العجيبة أن الجلسات المهجورة غالباً ما تتناول قوانين تمسّ جوهر الحقوق والحريات. فكيف يُصادق 47 نائباً فقط على تعديل قانون المسطرة الجنائية، ثم يُسوَّق ذلك كإرادة شعبية؟ تتساءل مريم ابليل الباحثة في القانون الدستوري، مؤكدة أن هذه الممارسات تُفقد البرلمان شرعيته الرمزية، وتُحيله إلى مجرد “صالة انتظار” بديكور دستوري.

المشكل لا يقتصر على الخلل الأخلاقي، بل يمتد إلى بنية النظام السياسي ذاته. غياب النواب يترك المجال مفتوحاً أمام السلطة التنفيذية لتفرض إيقاعها، في تهديد مباشر لمبدأ فصل السلط، المنصوص عليه في الفصل الأول من الدستور، والذي ينص على أن “النظام الدستوري للمملكة يقوم على أساس فصل السلط وتوازنها وتعاونها”.

أما المصادقة الصامتة على قوانين بالجملة، مع اقتراب نهاية الدورة البرلمانية، فيُفرغ العملية التشريعية من مضمونها، ويُنتج نصوصاً قانونية هشة أو غير قابلة للتنفيذ. وذلك في تعارض صارخ مع الفصل 70 من الدستور، الذي يُخوّل البرلمان حصرياً ممارسة السلطة التشريعية، بما يفترض نقاشاً، وتعديلاً، وتداولاً ديمقراطياً حقيقياً.

الحلول التقليدية لم تُفلح. نشر أسماء الغائبين؟ لا أحد يهتم. اقتطاع مالي؟ يتقبّله البعض كـ”ضريبة رفاهية”. بينما تُحمّل الباحثة ابليل الأحزاب السياسية المسؤولية، معتبرة أن “العطب يبدأ من الأصل”، حيث يُقدَّم للناخبين مرشحون لا علاقة لهم بالعمل البرلماني، سوى بتصويت الولاء الحزبي.

في الوقت الذي تتجه فيه برلمانات عدة في المنطقة نحو تعزيز الحضور والمشاركة والتواصل مع الرأي العام، يبدو أن البرلمان المغربي يُجرب نظرية معاكسة: كلما غاب ممثلو الأمة، زادت القوانين… وقلّ النقاش.

الخلاصة؟
إن الحضور البرلماني ليس ترفاً سياسياً، بل التزام دستوري وأخلاقي أمام المواطنين. استمرار الغياب الممنهج هو إهانة صريحة لفكرة التمثيل الشعبي، ويقوّض الثقة في المؤسسات. فهل يراجع النواب أنفسهم قبل أن ينصرف المواطنون نهائياً عن صناديق الاقتراع؟ أم أن قبة البرلمان ستبقى شاهدة على غيابهم… أكثر من حضورهم؟.

يوسف المالكي

المقال التالي