من المستفيد الحقيقي من إصلاح المقاصة؟ الشعب يدفع الثمن، بينما الدولة والحكومة تحتفلان بالنجاح؟

بعد أكثر من عشر سنوات على تحرير أسعار المحروقات في المغرب، لا يزال الجدل محتدماً حول نتائج إصلاح صندوق المقاصة، بين من يراه خطوة ضرورية لترشيد المالية العامة، ومن يعتبره أحد أكبر التحولات التي عمّقت الهشاشة الاجتماعية.
وفي دراسة حديثة للخبير في القانون العام والعلوم السياسية، عبد الرفيع زعنون، تظهر معالم هذا التناقض بوضوح، حيث خلص إلى أن السياسات البديلة التي تبنّتها الدولة فشلت في حماية الفئات الفقيرة، وأثقلت كاهل الطبقة الوسطى دون أن تحقق العدالة الاجتماعية المنشودة.
-من “دعم المواد” إلى “دعم الجيوب”: هل تغير شيء فعلاً؟
منذ مايو 2024، دخلت الحكومة المغربية مرحلة جديدة من إصلاح نظام المقاصة عبر تقليص تدريجي لدعم غاز البوتان، بعد أن سبق لها إنهاء دعم المحروقات السائلة سنة 2015.
وكان البديل هو التحويلات النقدية المباشرة، بميزانية مرتقبة تصل إلى 3 مليارات دولار سنة 2026. لكن تجارب دولية، مثل جورجيا والمكسيك، تكشف فشلاً في بلوغ الفئات الأكثر فقراً، ما يجعل المغرب أمام نفس التحدي: كيف نحدد من يستحق ومن لا يستحق؟
-الطبقة الوسطى: عمود الاقتصاد الذي يُترك وحيداً
رغم مساهمتها القوية في الدورة الاقتصادية، تجد الطبقة الوسطى نفسها دون سند أو حماية. فهي تؤدي ضريبة تضامنية تبلغ 1.5% (للدخول فوق 20 ألف درهم)، دون أن تستفيد من أي شكل من أشكال الدعم.
ويحذر زعنون من تآكل هذه الفئة، واصفاً إياها بـ”الوسط المفقود”، في ظل غياب رؤية عمومية تُعزز دورها الاجتماعي وتحميها من الانزلاق إلى الهشاشة، خصوصاً مع توسع الاقتصاد غير المهيكل وغياب الضمانات الاجتماعية.
-مزارعون على الهامش: وقود غالٍ وحلول غائبة
المزارعون الصغار، خاصة في المناطق القروية، لم يكونوا في الحسبان أثناء صياغة الإصلاح. ومع ارتفاع أسعار المحروقات، اضطر كثيرون منهم إلى استخدام غاز البوتان في أنشطتهم اليومية، ما زاد من تكاليف الإنتاج.
وهنا تظهر المفارقة: الدولة تقول إن الأغنياء هم من استفادوا من الدعم، في حين أن الواقع يُظهر أن الفلاحين البسطاء هم من تضرروا فعلاً، في غياب بدائل مناسبة أو دعم موازٍ لامتصاص الصدمة.
-دعم “يستهدف”… ويُخطئ الهدف؟
رغم كل النظريات التي تدافع عن الاستهداف النقدي، تُبيّن التجارب الدولية أن هذه السياسات قد تؤدي إلى إقصاء من هم في أمسّ الحاجة إلى المساعدة.
ففي دول ذات هياكل إدارية أكثر تطوراً من المغرب، مثل جورجيا والمكسيك، لا تصل التحويلات إلى نسبة كبيرة من الفقراء، فكيف سيكون الحال في بلد يعاني من ضعف قواعد البيانات وغياب الشفافية الاجتماعية؟
-هل حان وقت إعادة التفكير؟ الدرس الذي لم يُستوعب بعد
في الوقت الذي تراهن فيه الحكومة على توسيع برنامج التحويلات النقدية، تُظهر الدراسات أنها لا تعالج الفقر بل تُخفف من آثاره مؤقتاً.
الحل، كما تشير أغلب المقاربات الاجتماعية الحديثة، يكمن في مراجعة شاملة لمنظومة الدعم، توازن بين متطلبات الاستقرار الاقتصادي والحماية الاجتماعية، وتحمي الفئات المتوسطة والهشة من السقوط في دائرة الفقر أو الغضب الاجتماعي.
-ختاماً: عدالة غائبة في معادلة الربح والخسارة
الرهان على إصلاح المقاصة لم يكن فقط مسألة مالية، بل اختباراً حقيقياً لمدى عدالة السياسات العمومية.
فالفئات الهشة اليوم أكثر عرضة للضغط، والطبقة الوسطى بدأت تفقد ثقتها في الدولة، بينما يستمر النقاش حول أرقام “النجاح الاقتصادي”. فهل من المنطقي أن يتحقق التوازن المالي على حساب التوازن الاجتماعي؟
إذا كان المغرب يريد نموذجاً تنموياً فعّالاً، فعليه أن يعيد النظر في أولوياته، وأن يجعل العدالة الاجتماعية ركيزةً لا مجرد شعار.
يوسف المالكي
تعليقات