التامني : التسريبات ليست مجرد فضيحة بل إختبار لثقة المغاربة في الدولة

في خضم الجدل الذي أثارته التسريبات الأخيرة المعروفة إعلاميًا بـ”جبروت”، والتي كشفت عمّا وُصف بشبهات خطيرة تتعلق بفساد واستغلال للنفوذ من داخل مؤسسات حكومية عليا، برز موقف فيدرالية اليسار الديمقراطي كأحد أكثر المواقف السياسية صرامةً ووضوحًا. فقد دعت الفيدرالية إلى فتح تحقيق فوري بشأن هذه المعطيات، مع تحميل الحكومة والأغلبية البرلمانية مسؤولية توفير مناخ قالت إنه “يوفر الحماية للمفسدين”.
ولم تقف عند هذا الحد، بل أعلنت عن تنظيم يوم وطني احتجاجي للتنديد بالإفلات من العقاب، والدفاع عن المبلّغين عن الفساد، في خطوة تهدف إلى خلق زخم شعبي ضاغط لإعادة الاعتبار لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، في ظل تنامي الغضب الشعبي من تفشي الفساد وتكرار التسريبات دون محاسبة.
في هذا السياق، أجرى مغرب تايمز حوارًا مع فاطمة التامني، النائبة البرلمانية عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، بصفتها أحد أبرز الأصوات المطالبة بفتح هذا التحقيق، وسألها عن خلفيات هذه المطالب، وعن موقف الفيدرالية من حيثيات الملف.
– مغرب تايمز: ما خلفيات دعوة الفيدرالية إلى فتح تحقيق فوري في قضية تسريبات “جبروت”؟ وهل تتوفرون على معطيات أو مؤشرات تدعم هذه الشبهات؟
– فاطمة التامني: دعوة فيدرالية اليسار الديمقراطي إلى فتح تحقيق فوري جاءت على خلفية تسريبات خطيرة نُسبت لما يُعرف بـ”جبروت”، وتتحدث عن شبهات فساد تورط فيها وزراء في الحكومة الحالية. هذه التسريبات تشير إلى وقائع تتعلق بصفقات مشبوهة، تحويلات مالية ضخمة، واستعمال للنفوذ من أجل تحقيق مصالح خاصة، وهو ما يطرح أسئلة جوهرية حول طبيعة العلاقة بين السلطة والثروة في البلاد.
نحن نعتبر أن هذه المعطيات تشكل مؤشرات أولية خطيرة تستوجب تحركًا عاجلًا من السلطات القضائية والرقابية، لكشف الحقائق، تبديد الشكوك، وضمان عدم الإفلات من المحاسبة.
وفي ظل صمت رسمي مثير للقلق، لا يمكن للقوى الديمقراطية أن تلتزم الحياد، بل من واجبها أن تكون في صف الدفاع عن المال العام، وعن مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، خاصة وأننا نعيش اليوم وضعًا غير مسبوق من حيث استشراء الفساد، في مقابل حكومة تعمل على إعداد ترسانة من القوانين قد تخلق بيئة حاضنة لحماية المفسدين، بدعم من أغلبية برلمانية تكتفي بـ”التصويت الجاهز” بدل القيام بدورها الرقابي والتشريعي الحقيقي.
– مغرب تايمز: هل يمكن أن توضحوا لنا طبيعة المعلومات التي استندتم عليها لاتهام وزراء بـ”استغلال النفوذ ونهب المال العام”؟
– فاطمة التامني: نحن لا نطلق اتهامات مجانية أو ارتجالية. ما عبّرنا عنه هو قلق مشروع مبني على ما ورد في تسريبات متداولة إعلاميًا، تتضمن تفاصيل دقيقة عن تورط عدد من الوزراء في تسهيلات غير قانونية، وتمرير صفقات بطرق مشبوهة، وتمويل مشاريع ذات طابع شخصي أو حزبي بأموال عمومية.
إذا صحّت هذه المعطيات، فإن الأمر يشكل مسًّا خطيرًا بأخلاقيات المرفق العمومي، وانتهاكًا صريحًا لمبادئ الشفافية والحكامة الجيدة التي يُفترض أن تكون أساس التسيير العمومي. من هنا جاء مطلبنا الواضح: فتح تحقيق مستقل وجدي، لإماطة اللثام عن الوقائع، ومساءلة كل من ثبت تورطه، وإعادة الاعتبار لمصداقية مؤسسات الدولة.
– مغرب تايمز: هل هناك أسماء معينة تطالبون بالتحقيق معها، أم أن الأمر يتعلق بمنهجية وممارسات عامة داخل الحكومة؟
– فاطمة التامني: بيان الفيدرالية لم يوجّه أصابع الاتهام لأسماء محددة، لأننا نعتبر أن القضية لا تتعلق فقط بأشخاص، بل بمنهجية كاملة تُغذّي بنية موازية من الفساد داخل الدولة. هذه البنية، للأسف، تحظى بحماية غير معلنة من بعض مراكز القرار، وتشتغل تحت غطاء الشرعية المؤسساتية.
لذلك، فإن دعوتنا هي لفتح تحقيق شامل في مضمون التسريبات، أياً كانت الجهات أو الشخصيات المعنية. ما نطالب به هو تعبئة جماعية من جميع القوى الديمقراطية، بهدف بناء جبهة وطنية ضد الفساد، الريع، واستغلال النفوذ. فالقضية أكبر من مجرد فضيحة ظرفية، إنها امتحان حقيقي للدولة ولمدى قدرتها على استعادة ثقة المواطن، وحماية المال العام ومصالح المواطنين من العبث والاستهتار.
يشار إلى أنه رغم خطورة ما كشفته تسريبات “جبروت”، يلتزم الوزيران وهبي والمنصوري صمتًا مطبقًا، دون تكذيب أو توضيح، ما اعتبره كثيرون استهانة بالرأي العام وتغذيةً للشائعات. هذا الصمت، المتزامن مع تصاعد الهجمات الإلكترونية وفشل الحكومة في حماية المعطيات الرقمية، يطرح تساؤلات جدية حول مدى احترام المسؤولين لمبدأ الشفافية، ويعيد إلى الواجهة الإخفاقات المتكررة في ملف الرقمنة الذي تحول من شعار للإصلاح إلى باب للفضائح.
يوسف المالكي
تعليقات