آخر الأخبار

المندوبية: الخصوبة من 5.5 إلى 2.2 طفل لكل امرأة.. المغرب أمام مفترق ديموغرافي يثير القلق

في ظلّ تغيّرات عميقة تطال نسيجَه الاجتماعي، يواجه المغرب تحوّلاً ديموغرافياً غير مسبوق. فقد انخفض معدّل الخصوبة من 5.5 أطفال لكل امرأة عام 1982، إلى 2.2 فقط بحلول 2025، وفق أرقام صادرة عن المندوبية السامية للتخطيط وصندوق الأمم المتحدة للسكان. هذا التراجع الكبير يطرح أسئلة مصيرية عن مستقبل التوازن السكاني، ويدقّ ناقوس الخطر أمام صانعي السياسات.

ما وراء الأرقام، تكمن تحوّلات مجتمعية كبرى: ارتفاع مستوى تعليم المرأة، انخراطها الواسع في سوق العمل، وتغيّر المفاهيم حول الزواج والإنجاب. لم تعد “العائلة الكبيرة” نموذجاً مفضّلاً، بل حلّ محلّها نمط حياة جديد يعطي الأولوية للاستقرار المادي والذاتي. كما لعبت برامج الصحة الإنجابية دوراً محورياً في هذا التحوّل، الذي بدأ يُظهر تداعياته على هيكلة المجتمع ككل.

في المقابل، تُظهر البيانات اتساعاً مطّرداً في الشريحة العمرية النشيطة (15-59 سنة)، ما يضع الحكومة أمام امتحان عسير: كيف تُحوّل هذه “القوة الديموغرافية” إلى فرصة تنموية؟ الخبراء يحذّرون من أن بطالة الشباب قد تتحوّل إلى قنبلة موقوتة إذا لم تُواكبها استثمارات كافية في التشغيل والتدريب المهني.

التحدّي الآخر يأتي من الجهة المعاكسة: كبار السن. فبحلول 2030، سيتجاوز عددهم 6.1 مليون نسمة، بارتفاع صارخ عن الرقم الحالي (5.1 مليون). هذا الارتفاع يفرض إعادة هندسة النظام الصحي، وبناء مراكز رعاية متخصّصة، وتطوير تشريعات تضمن حقوق هذه الفئة الهشّة.

لا تقلّ قضية التمدّن حدّةً عن سابقاتها. فالهجرة من القرى إلى المدن تتسارع بوتيرة مقلقة، مما يستدعي سياسات إسكانية ذكية، وتوزيعاً عادلاً للخدمات بين الحضر والريف.

اليوم، يُختبر المغرب في قدرته على تحويل هذه التحوّلات إلى فرص. فهل تنجح الحكومة في تصميم سياسات تتكيّف مع الواقع الجديد؟ الإجابة ستحدّد ملامح العقود القادمة، حيث لم يعد هناك مجالٌ للارتجال.

المقال التالي