بعد تفشي الانتحار في المغرب…متخصصة تكشف الأسباب النفسية والاجتماعية وتقترح العلاج

شهدت الساحة المغربية خلال الفترة الأخيرة تزايداً مقلقاً في ظاهرة الانتحار ومحاولات الانتحار، إذ لم يعد الأمر يقتصر على حالات معزولة، بل أصبحنا نتابع بشكل متكرر فيديوهات لأشخاص يتسلقون بنايات عالية مهددين بالانتحار، أو يُقدمون فعلياً على إنهاء حياتهم بوسائل صادمة مثل الشنق أو إضرام النار في الجسد.
هذه الظاهرة، التي تهدد الاستقرار النفسي والاجتماعي للمجتمع المغربي، دفعت العديد من المهتمين إلى دق ناقوس الخطر.
ومن هذا المنطلق، أجرى موقع مغرب تايمز حواراً مع فريدة الرحموني، الأخصائية في علم النفس بمدينة أكادير، لتسليط الضوء على خلفيات هذه الظاهرة النفسية والاجتماعية، وسبل معالجتها.
الحوار:
1: في الآونة الأخيرة، لوحظ تزايد في حالات الانتحار بعدد من المناطق المغربية، برأيكم كمتخصصة في علم النفس، ما هي أبرز الأسباب النفسية والاجتماعية التي تقف وراء هذه الظاهرة؟
الانتحار يرتبط في الغالب باضطرابات نفسية وعقلية، على رأسها الاكتئاب، اضطراب ثنائي القطب، انفصام الشخصية، وغيرها من الأمراض. عندما تتدهور الصحة النفسية للإنسان ويشعر بأنه فقد الأمل تماماً، يبدأ التفكير في الانتحار كحلّ أخير.
كما أن الطريقة التي يختار بها الشخص إنهاء حياته تعكس حالته النفسية؛ مثلاً من يتناول كمية من العقاقير قد يكون لا يزال يأمل في النجاة، بينما من يُلقي بنفسه من طابق عالٍ يكون قد حسم أمره نهائياً.
أما من الناحية الاجتماعية، فالعنف – سواء كان أسرياً أو مجتمعياً أو موجهاً ضد النساء – يعد من الأسباب القوية التي قد تدفع الأفراد نحو الانتحار. فالتجارب المؤلمة، والضغط الاجتماعي، والعزلة، كلها عوامل تُسرّع من تدهور الحالة النفسية.
2: إلى أي مدى تؤثر الظروف الاقتصادية والمعيشية، مثل البطالة والفقر والتفكك الأسري، في زيادة نسب الإقدام على الانتحار داخل المجتمع؟
للأسف، هناك شريحة واسعة من المواطنين تعاني من ظروف اقتصادية صعبة، ولا تملك الوسائل المالية للعلاج النفسي. فحين يشعر الشخص بالضيق أو الضغط، لا يجد سبيلاً لتفريغ معاناته إلا بالانعزال أو اللجوء إلى الانتحار، خصوصاً إذا كان يعيش الفقر أو البطالة.
التفكك الأسري بدوره يلعب دوراً كبيراً. فغياب ما نسميه بـ”اللمة العائلية”، بسبب التطور التكنولوجي والانشغال بالعالم الافتراضي، جعل الكثير من الناس يعيشون في عزلة، ما يجعلهم عرضة أكثر للأفكار الانتحارية. التواصل الأسري الحقيقي كان يشكّل شبكة أمان نفسية، لكن هذه الشبكة أصبحت هشة في واقعنا المعاصر.
3: ما هي الإجراءات أو الآليات النفسية والوقائية التي تقترحينها للحد من هذه الظاهرة، سواء على المستوى الفردي أو المؤسساتي؟
من الناحية المؤسساتية، يجب تطوير خدمات الصحة النفسية داخل المستشفيات العمومية. أغلب أقسام الطب النفسي تفتقر للأخصائيين النفسيين، وتعتمد فقط على الأطباء النفسيين، وهذا غير كافٍ لمواكبة الأعداد المتزايدة من المرضى.
نحتاج أيضاً إلى إدماج الصحة النفسية في البرامج التوعوية بالقنوات التلفزية والإذاعية، وأيضاً في الأعمال الدرامية. الهدف هو رفع الوعي المجتمعي، ليفهم الناس خطورة التهاون بالحالة النفسية، ويعرفوا متى وكيف يطلبون المساعدة.
كما يجب إطلاق برامج خاصة بـ”الإسعاف الأولي النفسي”، مثل تلك المعمول بها في دول متقدمة وحتى بعض الدول العربية كالإمارات والسعودية. هذا النوع من التدخلات يمكن تدريسه في المدارس وتقديمه في شكل ورشات تكوينية، ليتمكن المواطنون من تقديم دعم أولي لأي شخص في حالة نفسية حرجة.
أما من الجانب الفردي، فوجود وعي نفسي لدى الشخص يساعده على التصرف السليم عند ظهور أفكار انتحارية. من المهم أن يلجأ المصاب إلى مختص، ليتحدث ويُفرغ ما بداخله، بدلاً من الكبت والعزلة. الطبيب أو الأخصائي النفسي لديه أدوات لمساعدة الشخص على تجاوز المرحلة، وتقوية قدرته النفسية على التحمل.
ولا ننسى أهمية الجانب الروحي والديني، فالإيمان وتقبّل الابتلاءات يساعد على الصبر ومقاومة الأفكار السوداوية، ويمنح الإنسان شعوراً بالطمأنينة والأمل.
خالد افرياض
تعليقات