آخر الأخبار

“تحالف الغدر أم هندسة التواطؤ: نحو تفكيك البنية الاستراتيجية للعلاقة الثلاثيّة بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية”

 ذ. عبدالله مشنون
كاتب صحفي مقيم بايطاليا

* قراءة في مضمون كتاب: “Treacherous Alliance: The Secret Dealings of Israel, Iran, and the United States” للمؤلف تريتا بارسي، خبير في العلاقات الإيرانية الأمريكية.
ملخّص الكتاب:

تتناول هذه القراءة تحليلًا مركبًا للعلاقة الثلاثيّة بين محور: إيران وإسرائيل والولايات المتحدة، من خلال قراءة نقديّة في مضمون كتاب: “التحالف الغادر” لصاحبه: (تريتا بارسي)، وهو كتاب أكاديمي يستند إلى وثائق وتسجيلات سريّة؛ يفكك صاحبه من خلاله مستويات الخطاب السائد حول العداء الظاهري بين هذه الأطراف.


يكشف هذا المقال عن بنية جد معقدة من التفاهمات غير المعلنة، والمصالح المتقاطعة، والرهانات المشتركة التي توظف الخطاب الإعلامي كأداة للتضليل، وتعيد إنتاج خريطة النفوذ الإقليمي في الشرق الأوسط.
كما يناقش المقال سؤال الغدر السياسي، وحدود الأخلاق في بناء التحالفات الدوليّة، ويتبنى منهجًا جدليًا يستفز القارئ للتفكير في منطق “الصداقة المستحيلة” و”العداوة المدروسة”.


* الكلمات المفاتيح:


إيران – إسرائيل – الولايات المتحدة – الغدر السياسي – تحالفات خفيّة – تريتا بارسي – الأمن الإقليمي – الشرق الأوسط – الواقعيّة السياسيّة – التفكيك الرمزي.


* مقدمة تركيبيّة منهجية: في الحاجة إلى تحليل ما وراء العداء


ليس كل ما يبدو عداءً في السياسة الدوليّة هو كذلك في جوهره. من هذا المنطلق، تسعى هذه القراءة إلى مساءلة المفهوم المستقر للعلاقات الثلاثيّة بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، وتفكيك الرمزيّة السياسيّة والإعلاميّة التي تصوّر العلاقة بين طهران وتل أبيب كعلاقة صراع مطلق.


تستند القراءة إلى تحليل نقدي لكتاب: Treacherous Alliance (2007) لتريتا بارسي، كوثيقة تحليليّة تأسيسيّة تكشف عن البعد الخفي للعلاقات الدوليّة في المنطقة، وذلك عبر منهج مركب يجمع بين التحليل السوسيولوجي للخطاب، والتفكيك الاستراتيجي لسياسات المحور الثلاثي. كما تطرح الدراسة جملة من الأسئلة الجوهريّة حول طبيعة التواطؤ، وحدود الواقعيّة، وإمكانية استبصار المستقبل من خلال ما يُدار في الظل لا في الضوء.


* المحور الأول: من الخطاب العدائي إلى الواقع التعاوني: بين الظاهر والمضمر


1. عداء في العلن وتعاون في السر؟


يكشف (تريتا بارسي) أن التفاعل بين إيران وإسرائيل لم يكن في جوهره قائمًا على صراع عقائدي دائم، بل على منطق الندية المتوجّسة، بين دولة صاعدة وأخرى سائدة؛ حيث يتحول العدو إلى شريك حين تستدعي المصلحة ذلك.


هذا؛ ويتجلى هذا في الدعم العسكري الإسرائيلي لإيران خلال حربها مع العراق، وفضيحة (إيران- كونترا) (Iran-Contra) التي تورطت فيها إدارة رونالد ريغان في نقل أسلحة لطهران رغم العقوبات الدوليّة.


فهل نحن إذًا أمام معادلة صراع؛ أم أمام مناورة إستراتيجيّة تُدار بوجوه متعددة؟


2. البنية الرمزيّة للعداوة: وظيفة إعلامية أم تكتيك تفاوضي؟


تشير الوقائع إلى أن إطلاق الصواريخ بين حزب الله وإسرائيل، أو بين إيران وتل أبيب، كثيرًا ما يُستخدم كأداة تفاوض لا إعلان حرب. فالضربات غالبًا ما تكون محدودة، وتنتهي باتفاقات ضمنيّة. وهو ما يطرح سؤالًا حول دور العنف الرمزي في إعادة ترتيب شروط اللعبة السياسيّة.


* المحور الثاني: منطق الأقليّة وهواجس الهيمنة: حين يتقاطع الصفوي مع الصهيوني


1. تفكيك الهاجس البنيوي: الأقليّة في مواجهة الأغلبية:


يتقاسم الكيانان (الإيراني والإسرائيلي) نفس الموقع البنيوي باعتبارهما كيانات دينيّة وطائفيّة تشكّل أقليّة ضمن فضاء سني أوسع.


هنا يقرأ بارسي هذا التلاقي بوصفه مشروعًا مشتركًا لإعادة صياغة موازين القوى في الشرق الأوسط، وتفكيك البنية الثقافيّة والسياسيّة التي تشكلت بعد الفتح الإسلامي.


فهل نحن أمام تحالف أقليات لإعادة كتابة التاريخ؟ ومن يملك شرعيّة تصحيح الماضي؟


2. المشرق السني كعدو مشترك:


تتقاطع السياسات الإيرانيّة والإسرائيليّة أحيانًا بتواطؤ أمريكي، في محاصرة القوى السنّية التقليديّة، وتفكيك جيوشها، وتهميش نخبتها السياسيّة. من العراق إلى اليمن، حيث تظهر التدخلات بوصفها جزءًا من هندسة إقليميّة جديدة تتقاطع فيها الطائفية مع الجيوبوليتيك.


* المحور الثالث: واقعية بلا أخلاق؟ في الحاجة إلى نظرية للغدر المصلحي
1. الغدر كتقنية لإدارة التحالفات الرمادية:


مفهوم الغدر، في المنظور السياسي الواقعي، ليس انحرافًا، بل آلية إدارة وتدبير المواقف المتقلبة؛ حيث تنشأ التحالفات وتتفكك وفق ميزان القوة لا وفق منطق الوفاء. وهو ما يفسر عدم استقرار العلاقة بين أطراف هذا المحور الثلاثي، رغم تبادلهم الأسلحة والدعم والتفاهمات.


فهل يمكن صياغة نظريّة جديدة في العلاقات الدوليّة تُؤسس للغدر المصلحي كصيغة تدبيريّة؟


2. تفكيك مشهد المسرح السياسي: بين الدخان والحقيقة


ما يُقدَّم على أنه صراع مصيري؛ لا يعدو أن يكون مجرد إعادة إخراج لمشهد سياسي محسوب، تُضبَط إيقاعاته داخل غرف الاستخبارات أكثر مما تُحسم في الميادين. وهنا تصبح البطولة مجرد خدعة، والمقاومة مجازًا، والخيانة تكتيكًا.
* خلاصة تركيبيّة: بين وهم الأخلاق وواقعيّة الخرائط


التحالف بين إيران، إسرائيل، والولايات المتحدة الأمريكية؛ لا يمكن قراءته من زاوية أخلاقيّة بحتة، بل علينا تفكيكه باعتباره منظومة مصلحيّة تتجدد باستمرار وفق معادلة الخوف والمصلحة والتفوق.


تعيد هذه القراءة توجيه البوصلة من خطاب الثنائيّات: عدو // صديق. حق // باطل؛ نحو تحليل ثلاثي هندسي الأبعاد، يفكك النسق ويفضح الرمزيّة، ويفتح أفقًا جديدًا لفهم ما يجري في الشرق الأوسط لا كحروب، بل كصفقات جيوسياسيّة بوجه تآمري ناعم.


* المراجع المعتمدة:
– Trita Parsi, Treacherous Alliance: The Secret Dealings of Israel, Iran, and the United States, Yale University Press, 2007.
– Stephen Walt, The Origins of Alliances, Cornell University Press, 1987.
– Kenneth N. Waltz, Theory of International Politics, McGraw-Hill, 1979.
– Henry Kissinger, World Order, Penguin Books, 2014.
– Fawaz A. Gerges, Making the Arab World: Nasser, Qutb, and the Clash That Shaped the Middle East, Princeton University Press, 2018.

المقال التالي