حموني لـ”مغرب تايمز”: الحكومة تساهلت مع “الفراقشية” وتغاضت عن كبار المضاربين والمحتكرين

تتزايد معاناة الأسر المغربية جرّاء الارتفاع المتواصل لتكاليف العلاج في المصحات الخاصة، في ظل تراجع ملحوظ في أداء القطاع العمومي، وغياب فعلي لآليات تضبط الأسعار أو تفرض احترام التعريفة المرجعية. هذا الواقع، الذي بات يُنهك القدرة الشرائية للطبقات الوسطى والفقيرة، أعاد الجدل إلى الواجهة حول الجهة المسؤولة عن انفلات قطاع يُفترض أن يكون جزءًا من منظومة الحماية الاجتماعية، لا عبئًا إضافيًا على المواطنين.
في عمق هذا المشهد، تتصاعد التحذيرات من تهديد مباشر يطال مستقبل نظام التغطية الصحية الإجبارية، بفعل التكاليف المرتفعة والفواتير المنفوخة، وغياب رقابة صارمة على ما يُقدَّم للمرضى من خدمات لا تخضع أحيانًا لأي منطق علاجي موحّد. هذه المخاوف لم تأت من فراغ، بل تؤكدها الشكاوى المتزايدة وتصريحات فاعلين سياسيين يلمّحون إلى احتمال تعثر المشروع برمته إذا لم يُعالَج الخلل البنيوي في العلاقة بين القطاعين العام والخاص.
وفي تصريح خصّ به موقع “مغرب تايمز”، أعرب رشيد حموني، رئيس فريق التقدّم والاشتراكية بمجلس النواب، عن استغرابه من تجاهل رئيس الحكومة الحديث عن 8.5 مليون مغربي خارج التغطية الصحية، مشيرًا إلى أن أولويات النقاش الحكومي كان ينبغي أن تنصرف إلى الفوضى القائمة في القطاع الخاص، لاسيما في ظل ما وصفه باستنزاف صناديق التأمين، والنفخ في الفواتير، وغياب بروتوكولات علاجية موحّدة. وأوضح أن 90 في المئة من الملفات التي تُرفض تعويضاتها تعود لمؤسسات خاصة، ما يعكس حجم الخلل القائم.
وأضاف حموني في التصريح ذاته أن الدعم العمومي المخصص لإنشاء المصحات الخاصة كان من الأجدر أن يُوجَّه نحو المناطق النائية، حيث يعاني المواطنون من ضعف الخدمات أو انعدامها، مؤكدًا أن التفاوت في توزيع الموارد يُرسّخ فوارق غير مقبولة بين الفئات والمجالات.
ورغم تثمينه للمجهودات التشريعية التي بذلتها الحكومة، وكذا بعض الخطوات في إصلاح المراكز الصحية الأولية، شدد حموني على أن الأثر الملموس لا يزال محدودًا، في ظل غياب مراجعة حقيقية لآليات التمويل والتدبير والمساءلة.
وانتقد ما وصفه بتساهل الحكومة مع المضاربين و”الفراقشية”، مشيرًا إلى أن مئات الملايين من الدراهم تُهدر بسبب التهرب الضريبي والاقتصاد غير المهيكل، إلى جانب إعفاءات ضريبية اعتبرها بلا جدوى اجتماعية واضحة، فيما يظل الفساد كلفة ثابتة تُنهك خزينة الدولة بما يزيد عن 50 مليار درهم سنويًا.
وفي الشق الدوائي، لفت حموني إلى وجود اختلالات خطيرة في الأسعار، موضحًا أن بعض الأدوية تُباع في المغرب بأكثر من 3000 درهم، بينما لا يتجاوز سعرها 945 درهمًا في فرنسا، وأخرى تُعرض محليًا بـ316 درهمًا مقابل 25 درهمًا فقط في بلجيكا. وخلص إلى أن الحديث عن السيادة الدوائية أصبح غائبًا، محذرًا من خطر استيراد أدوية من دول لا تخضع لأي مراقبة صارمة.
ويبدو أنه لمواجهة الفوضى في المصحات الخاصة وغلاء العلاج، لا بد من:
- تعزيز الرقابة الصارمة على المصحات الخاصة لضمان احترام التسعيرة وجودة الخدمات.
- إعادة تنظيم منظومة التغطية الصحية بشكل يضمن استدامتها وعدالتها، مع ضبط العلاقة بين القطاعين العام والخاص.
- وضع تسقيف للأسعار في العلاجات والعمليات الطبية الخاصة، وإلزام المصحات بالإعلان المسبق عن الأسعار.
- تسريع إصلاح السياسة الدوائية لتوفير الأدوية بأسعار معقولة، وتشجيع الصناعة المحلية.
- إنشاء هيئة وطنية مستقلة لمراقبة الإنفاق الصحي والتدخل ضد كل أشكال الاحتكار أو الاستغلال.
تمثل هذه التدابير أساسًا لإصلاح جذري يحمي المواطنين ويعيد الثقة في المنظومة الصحية الوطنية.
تعليقات